وقال ابن حزم (?): صح حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" بلا ريب، لكن وجدنا من حديث سعيد "أرخص النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة للصائم"، وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأنَّ الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على النسخ سواء كان حاجمًا أو محجومًا، وقد تأول أيضًا بأنه محمول على الكراهة فقط.
وقد أخرج عبد الرَّزاق وأبو داود بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه" (?) إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر.
وقوله: "آنِفًا على أصحابه" يتعلق بنهى، وقد رواه ابن أبي شيبة (?) عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه: عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا: إنما نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف، أي: لئلا يَضْعُف، وتأول بعضهم أيضًا الحديث بأن المراد أنهما سيفطران وهو أن حالهما يؤول إلى الإفطار كقوله {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (?) وقال البغوي (?): المعنى أنهما يعرضا للإفطار، وأما الحاجم فلأنه لا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه عند المص، وأما المحجوم فلأنه لا يأمن ضعفًا من قوته بخروج الدم فيؤول إلى الإفطار.
وقيل: أفطر أي فعل مكروهًا وهو الحجامة، فكأنه غير متلبس بالعبادة.