كل سوق بحسبه من المال، فلا قُوَّةَ إِلَّا باللَّه. وَشَرَعَ التَّتَرُ فِي عَمَلِ مجانيق بالجامع ليرموا بها القلعة من صحن الجامع، وغلقت أبوابه ونزل التتار فِي مَشَاهِدِهِ يَحْرُسُونَ أَخْشَابَ الْمَجَانِيقَ، وَيَنْهَبُونَ مَا حوله من الأسواق، وأحرق أرجوان مَا حَوْلَ الْقَلْعَةِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ، كَدَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَى حَدِّ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ، وأحرق دار السَّعَادَةِ لِئَلَّا يَتَمَكَّنُوا مِنْ مُحَاصَرَةِ الْقَلْعَةِ مِنْ أَعَالِيهَا، وَلَزِمَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ لِئَلَّا يُسَخَّرُوا فِي طَمِّ الْخَنْدَقِ، وَكَانَتِ الطُّرُقَاتُ لَا يُرَى بِهَا أَحَدٌ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَالْجَامِعُ لَا يُصَلِّي فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةَ لَا يَتَكَامَلُ فِيهِ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَمَا بَعْدَهُ إِلَّا بِجَهْدٍ جهيد، ومن خرج من منزله في ضرورة يَخْرُجُ بِثِيَابِ زِيِّهِمْ ثُمَّ يَعُودُ سَرِيعًا، وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَى أَهْلِهِ، وَأَهْلُ الْبَلَدِ قَدْ أَذَاقَهُمُ اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَالْمُصَادَرَاتُ وَالتَّرَاسِيمُ وَالْعُقُوبَاتُ عَمَّالَةٌ فِي أَكَابِرِ أَهْلِ الْبَلَدِ لَيْلًا وَنَهَارًا، حَتَّى أُخِذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْقَافِ، كَالْجَامِعِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ جَاءَ مَرْسُومٌ بِصِيَانَةِ الْجَامِعِ وَتَوْفِيرِ أَوْقَافِهِ وَصَرْفِ مَا كَانَ يُؤْخَذُ بخزائن السلاح وإلى الْحِجَازِ، وَقُرِئَ ذَلِكَ الْمَرْسُومُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِالْجَامِعِ فِي تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى، وَفِي ذلك اليوم توجه السلطان قازان وَتَرَكَ نُوَّابَهُ بِالشَّامِ فِي سِتِّينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ نَحْوَ بِلَادِ الْعِرَاقِ، وَجَاءَ كِتَابُهُ إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا نُوَّابَنَا بِالشَّامِ فِي سِتِّينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وفي عَزْمِنَا الْعَوْدُ إِلَيْهَا فِي زَمَنِ الْخَرِيفِ، وَالدُّخُولُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَفَتْحُهَا، وَقَدْ أَعْجَزَتْهُمُ الْقَلْعَةُ أن يصلوا إلى حجر منها، وخرج سيف الدين قبجق لتوديع قطلو شاه نَائِبِ قَازَانَ وَسَارَ وَرَاءَهُ وَضَرَبَتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ فَرَحًا لِرَحِيلِهِمْ، وَلَمْ تُفْتَحِ الْقَلْعَةُ، وَأَرْسَلَ أَرْجُوَاشَ ثانى يوم من خروج قبجق الْقَلْعِيَّةَ إِلَى الْجَامِعِ فَكَسَرُوا أَخْشَابَ الْمَنْجَنِيقَاتِ الْمَنْصُوبَةِ به، وعادوا إلى القلعة سريعا سالمين، واستصحبوا معهم جماعة ممن كانوا يلوذون بالتتر قَهْرًا إِلَى الْقَلْعَةِ، مِنْهُمُ الشَّرِيفُ الْقُمِّيُّ، وَهُوَ شمس الدين محمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُرْتَضَى الْعَلَوِيُّ، وَجَاءَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْجَقَ إِلَى دِمَشْقَ فنادوا بها طيبوا أنفسكم وَافْتَحُوا دَكَاكِينَكُمْ وَتَهَيَّئُوا غَدًا لِتَلَقِّي سُلْطَانِ الشَّامِ سَيْفِ الدِّينِ قَبْجَقَ، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى أَمَاكِنِهِمْ فَأَشْرَفُوا عَلَيْهَا فَرَأَوْا مَا بِهَا مِنَ الْفَسَادِ والدمار، وانفك رؤساء البلد من التراسيم بعد ما ذاقوا شيئا كثيرا.
قال الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ: ذَكَرَ لِي الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهُ حُمِلَ إِلَى خزانة قازان ثلاثة آلاف ألف وَسِتُّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، سِوَى مَا تَمَحَّقَ مِنَ التَرَاسِيمِ وَالْبَرَاطِيلِ وَمَا أَخَذَ غَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ، وَأَنَّ شَيْخَ الْمَشَايِخِ حُصِّلَ لَهُ نَحْوٌ مَنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْأَصِيلَ بْنَ النَّصِيرِ الطوسي مائة ألف، والصفي السخاوي ثمانون ألفا، وعاد سَيْفُ الدِّينِ قَبْجَقُ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ بعد الظهر خامس عشرين جمادى الاولى ومعه الاليكى وَجَمَاعَةٌ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ السُّيُوفُ مُسَلَّلَةً وَعَلَى