إِلَّا حَجَرٌ وَاحِدٌ فَلَا تُسَلِّمْهُمْ ذَلِكَ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الشام فان الله حَفِظَ لَهُمْ هَذَا الْحِصْنَ وَالْمَعْقِلَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ حِرْزَا لِأَهْلِ الشَّامِ الَّتِي لَا تَزَالُ دار إيمان وَسُنَّةٍ، حَتَّى يَنْزِلَ بِهَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. وَفِي يَوْمِ دُخُولِ قَبْجَقَ إِلَى دِمَشْقَ دَخَلَ السُّلْطَانُ وَنَائِبُهُ سَلَّارُ إِلَى مِصْرَ كَمَا جَاءَتِ البطاقة بِذَلِكَ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِهَا فَقَوِيَ جأش الناس بعض قوة، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا يُقَالُ:
كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى سُعَادَ وَدُونَهَا ... قُلَلُ الْجِبَالِ وَدُونَهُنَّ حُتُوفُ
الرِّجْلُ حَافِيَةٌ وَمَا لِي مَرْكَبٌ ... وَالْكَفُّ صِفْرٌ وَالطَّرِيقُ مَخُوفُ
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ خُطِبَ لَقَازَانَ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ بِحُضُورِ الْمَغُولِ بِالْمَقْصُورَةِ وَدُعِيَ لَهُ عَلَى السُّدَّةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقُرِئَ عَلَيْهَا مَرْسُومٌ بِنِيَابَةِ قَبْجَقَ عَلَى الشَّامِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَعْيَانُ فَهَنَّئُوهُ بِذَلِكَ، فَأَظْهَرَ الكرامة وأنه في تعب عظيم مع التتر، ونزل شيخ المشايخ مَحْمُودُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ بِالْمَدْرَسَةِ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ النِّصْفِ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ شَرَعَتِ التَّتَارُ وَصَاحِبُ سِيسَ فِي نَهْبِ الصَّالِحِيَّةِ وَمَسْجِدِ الْأَسَدِيَّةِ وَمَسْجِدِ خَاتُونَ وَدَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ بها واحترق جامع التوبة بالعقيبية، وَكَانَ هَذَا مِنْ جِهَةِ الْكُرْجِ وَالْأَرْمَنِ مِنَ النَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ مَعَ التَّتَارِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ. وَسَبَوْا مَنْ أَهْلِهَا خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا، وجاء أكثر الناس إلى رباط الحنابلة فاحتاطت بِهِ التَّتَارُ فَحَمَاهُ مِنْهُمْ شَيْخُ الشُّيُوخِ الْمَذْكُورُ، وَأُعْطِيَ فِي السَّاكِنِ مَالٌ لَهُ صُورَةٌ ثُمَّ أقحموا عَلَيْهِ فَسَبَوْا مِنْهُ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ بَنَاتِ المشايخ وأولادهم ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَلَمَّا نُكِبَ دَيْرُ الْحَنَابِلَةِ فِي ثَانِي جُمَادَى الْأُولَى قَتَلُوا خَلْقًا من الرجال وأسروا مِنَ النِّسَاءِ كَثِيرًا، وَنَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيَّ الدين أذى كثير، ويقال إِنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الصَّالِحِيَّةِ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَأَسَرُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ أَسِيرٍ، وَنُهِبَتْ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ وَالضِّيَائِيَّةِ، وخزانة ابن البزوري، وكانت تُبَاعُ وَهِيَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا الْوَقْفِيَّةُ، وَفَعَلُوا بِالْمِزَّةِ مثل ما فعلوا بالصالحية، وكذلك بداريا وبغيرها، وَتَحَصَّنَ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي الْجَامِعِ بِدَارَيَّا فَفَتَحُوهُ قَسْرًا وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وخرج الشيخ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ الْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ إِلَى مَلِكِ التتر وعاد بعد يومين ولم يتفق اجتماعه به، حَجَبَهُ عَنْهُ الْوَزِيرُ سَعْدُ الدِّينِ وَالرَّشِيدُ مُشِيرُ الدولة المسلماني ابن يَهُودَى، وَالْتَزَمَا لَهُ بِقَضَاءِ الشُّغْلِ، وَذَكَرَا لَهُ أن التتر لَمْ يَحْصُلْ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ إِلَى الْآنِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، وَاشْتُهِرَ بِالْبَلَدِ أَنَّ التَّتَرَ يُرِيدُونَ دُخُولَ دِمَشْقَ فَانْزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا، وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا والهرب على وجوههم، وأين الفرار وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، وَقَدْ أُخِذَ مِنَ الْبَلَدِ فَوْقُ الْعَشَرَةِ آلَافِ فَرَسٍ، ثُمَّ فُرِضَتْ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الْبَلَدِ مُوَزَّعَةً عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ