رأسه عصابة فنزل بالقصر ونودي بالبلد نائبكم قَبْجَقَ قَدْ جَاءَ فَافْتَحُوا دَكَاكِينَكُمْ وَاعْمَلُوا مَعَاشَكُمْ ولا يغرر أحد بنفسه هذا الزمان وَالْأَسْعَارُ فِي غَايَةِ الْغَلَاءِ وَالْقِلَّةِ، قَدْ بَلَغَتِ الْغِرَارَةُ إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَاللَّحْمُ الرَّطْلُ بِنَحْوِ الْعَشَرَةِ، وَالْخُبْزُ كُلُّ رَطْلٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ، وَالْعَشَرَةُ الدَّقِيقِ بِنَحْوِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْجُبْنُ الْأُوِقَيَةُ بِدِرْهَمٍ، وَالْبَيْضُ كُلُّ خَمْسَةٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُمْ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ، وَلَمَّا كَانَ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ نَادَى قَبْجَقُ بِالْبَلَدِ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ إِلَى قُرَاهُمْ وَأَمَرَ جَمَاعَةً وَانْضَافَ إِلَيْهِ خَلْقٌ مِنَ الْأَجْنَادِ، وَكَثُرَتِ الْأَرَاجِيفُ عَلَى بَابِهِ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ وَعَلَى بَابِ قَبْجَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَابِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَرَكِبَ قَبْجَقُ بِالْعَصَائِبِ فِي الْبَلَدِ وَالشَّاوِيشِيَّةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَهَّزَ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ فَارِسٍ نَحْوَ خَرِبَةِ اللُّصُوصِ، وَمَشَى مَشْيَ الْمُلُوكِ فِي الْوِلَايَاتِ وَتَأْمِيرِ الْأُمَرَاءِ وَالْمَرَاسِيمِ الْعَالِيَةِ النَّافِذَةِ، وَصَارَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا لَكَ من قنبرة بمعمرى ... خلالك الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي
ثُمَّ إِنَّهُ ضَمِنَ الْخَمَّارَاتِ وَمَوَاضِعَ الزِّنَا مِنَ الْحَانَاتِ وَغَيْرِهَا، وَجُعِلَتْ دَارُ ابْنِ جَرَادَةَ خارج من بَابَ تُومَا خَمَّارَةً وَحَانَةً أَيْضًا، وَصَارَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَهِيَ الَّتِي دَمَّرَتْهُ وَمَحَقَتْ آثَارَهُ وَأَخَذَ أَمْوَالًا أُخَرَ مِنْ أَوْقَافِ الْمَدَارِسِ وَغَيْرِهَا، وَرَجَعَ بُولَايُ مِنْ جِهَةِ الْأَغْوَارِ وَقَدْ عَاثَ فِي الْأَرْضِ فسادا، ونهب البلاد وخرب ومعه طائفة من التتر كثيرة، وَقَدْ خَرَّبُوا قُرًى كَثِيرَةً، وَقَتَلُوا مَنْ أَهْلِهَا وسبوا خلقا من أطفالها، وَجُبِيَ لِبُولَايِ مِنْ دِمَشْقَ أَيْضًا جِبَايَةً أُخْرَى، وَخَرَجَ طَائِفَةٌ مِنَ الْقَلْعَةِ فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنَ التَّتَرِ وَنَهَبُوهُمْ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي غُبُونِ ذَلِكَ، وَأَخَذُوا طَائِفَةً مِمَّنْ كَانَ يَلُوذُ بِالتَّتَرِ وَرَسَمَ قَبْجَقُ لِخَطِيبِ الْبَلَدِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْأَعْيَانِ أَنْ يَدْخُلُوا الْقَلْعَةَ فَيَتَكَلَّمُوا مَعَ نَائِبِهَا فِي الْمُصَالَحَةِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِي عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَكَلَّمُوهُ وَبَالَغُوا مَعَهُ فَلَمْ يجب إلى ذلك وقد أجاد وأحسن وأرجل في ذلك بيض الله وجهه.
وفي ثامن رَجَبٍ طَلَبَ قَبْجَقُ الْقُضَاةَ وَالْأَعْيَانَ فَحَلَّفَهُمْ عَلَى الْمُنَاصَحَةِ لِلدَّوْلَةِ الْمَحْمُودِيَّةِ- يَعْنِي قَازَانَ- فَحَلَفُوا لَهُ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ خَرَجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن تَيْمِيَةَ إِلَى مُخَيَّمِ بُولَايِ فَاجْتَمَعَ بِهِ فِي فكاك من كان مَعَهُ مِنْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَنْقَذَ كَثِيرًا مِنْهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ عَادَ، ثُمَّ رَاحَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ دِمَشْقَ ثُمَّ عَادُوا مِنْ عِنْدِهِ فَشُلِّحُوا عِنْدَ باب شرقى وأخذ ثِيَابُهُمْ وَعَمَائِمُهُمْ وَرَجَعُوا فِي شَرِّ حَالَةٍ، ثُمَّ بَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَاخْتَفَى أَكْثَرُهُمْ وَتَغَيَّبُوا عَنْهُ، وَنُودِيَ بِالْجَامِعِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ثَالِثَ رَجَبٍ مِنْ جِهَةِ نَائِبِ الْقَلْعَةِ بِأَنَّ الْعَسَاكِرَ الْمِصْرِيَّةَ قَادِمَةٌ إِلَى الشَّامِ، وَفِي عَشِيَّةِ يَوْمِ السَّبْتِ رَحَلَ بُولَايُ وَأَصْحَابُهُ مِنَ التَّتَرِ وَانْشَمَرُوا عَنْ دِمَشْقَ وَقَدْ أَرَاحَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَسَارُوا مِنْ عَلَى عَقَبَةِ دُمَّرَ فَعَاثُوا فِي تِلْكَ النَّوَاحِي فَسَادًا، وَلَمْ يَأْتِ سَابِعُ الشَّهْرِ وَفِي حَوَاشِي الْبَلَدِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَقَدْ أَزَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ