ولقد رأيت رجلا ضخما، فخم اللفظ، فخم المعاني، تربية في ظل ملك، مع علم جم ولسان عضب «1» ، ومعرفة بالغامض من العيوب، والدقيق من المحاسن، مع شدّة تسرّع الى أعراض الناس، وضيق صدر بما يعرف من عيوبهم، وأن ثريدته لبلقاء «2» ، إلا أن بياضها ناصع، ولونها الآخر أصهب «3» . فرأيت ذلك مرّة أو مرّتين. وكنت قد هممت قبل ذلك، أن أعاتبه على الشيء يستأثر به «4» ، ويخص به، وإن احتمل ثقل تلك النصيحة، وبشاعتها في حظّه، وفي النظر له. ورأيت أن ذلك لا يكون إلا من حاقّ الإخلاص «5» ، ومن فرط الإخاء بين الأخوان.
فلما رأيت البلقة «6» ، هان عليّ التحجيل والغرّة «7» . ورأيت أن ترك الكلام أفضل، وأن الموعظة لغو «8» .
وقد زعم أبو الحسن المدائني أن ثريدة مالك بن المنذر كانت بلقاء.
ولعل ذلك أن يكون باطلا؛ وأما أنا فقد رأيت بعيني من هذا الرجل ما أخبرك به. وهو شيء لم أره إلا فيه، ولا سمعت به في غيره.
ولسنا من تسمية الأصحاب المتهتكين، ولا في غيرهم من المستورين، في شيء. أما الصاحب، فإنّا لا نسميه لحرمته، وواجب حقه، والآخر لا نسمّيه لستر الله عليه، ولما يجب لمن كان في مثل حاله، وإنما نسمّي من خرج من هاتين الحالين، ولربما سميّنا الصاحب إذا كان