العلم، فاشي الغلّة، عظيم الولايات، إنه إذا دعي على مائدته بفضل دجاجة، أو بفضل رقاق، أو غير ذلك، ردّ الخادم مع الخبّاز الى القهرمان «1» ، حتى يصكّ «2» له بذلك الى صاحب المطبخ.
ولقد رأيته، وقد تناول دجاجة، فشقّها نصفين، فألقى نصفها إلى الذي عن يمينه، ونصفها الى الذي عن شماله. ثم قال: يا غلام جئني بواحدة رخصة، فإن هذه كانت عضلة «3» جدا. فحسبت أن أقلّ ما عند الرجلين ألا يعود الى مائدته أبدا. فوجدتهما قد فخرا عليّ بما حباهما به، من ذلك، دوني.
وكانوا ربما خصّوه، فوضعوا بين يديه الدرّاجة «4» السمينة، والدجاجة الرخصة. فانطفأت الشمعة في ليلة، من تلك الليالي، فأغار عليّ الأسواري «5» على بعض ما بين يديه، واغتنم الظلمة، وعمل على أن الليل أخفى للويل. ففطن له، وما هو بالفطن إلا في هذا الباب، وقال:
كذلك الملوك، كانت لا تأكل مع السوقة.
وحدثني أحمد بن المثنى أنهم كانوا يعمدون إلى الجرادق «6» التي ترفع عن مائدته، فما كان منها ملطخا دلك ذلك دلكا شديدا، وما كان منها قد ذهب جانب منه، قطع بسكين من ترابيع الرغيف مثل ذلك، لئلا يشكّ من رآه أنهم قد تعمّلوا ذلك، وما كان من الأنصاف والأرباع، جعل بعضه للثريد «7» ، وقطع بعضه كالأصابع، وجعل مع بعض القلايا.