ممن يمازح بهذا كثيرا، ورأيناه يتظرّف «1» به، ويجعل ذلك الظرف سلّما إلى منع شينه «2» .
لم أر مثل أبي جعفر الطرسوسي:
زار قوما فأكرموه وطيّبوه، وجعلوا في شاربه وسبلته «3» غالية «4» ، فحكّته شفته العليا، فأدخل إصبعه فحكها من باطن الشفة، مخالفة أن تأخذ إصبعه من الغالية شيئا إذا حكتها من فوق.
وهذا وشبهه إنما يطيب جدا، إذا رأيت الحكاية بعينك، لأن الكتاب لا يصوّر لك كل شيء، ولا يأتي لك على كنهه، وعلى حدوده وحقائقه.
وأما أبو محمد الخزاميّ، عبد الله بن كاسب، كاتب مويس، وكاتب داود بن أبي داود، فإنه كان أبخل من برأ الله، وأطيب من برأ الله.
وكان له في البخل كلام، وهو أحد من ينصره ويفضله، ويحتج له، ويدعو اليه.
وأنه رآني مرة في تشرين الأول، وقد بكّر البرد شيئا، فلبست كساء لي قومسيا «5» خفيفا، قد نيل منه. فقال لي: ما أقبح السرف بالعاقل،