فلما رأيت مذهبه وحمقه، وغلبة البخل عليه، وقهره له، قلت: ما لهم عندي علاج هو أنجع فيهم من أن يمنعوا الصبّاغ كله. قال: لا والله إن هو غيره! وصديق لنا آخر، كنا قد ابتلينا بمؤاكلته، وقد كان ظنّ أنّا قد عرفناه بالبخل على الطعام، وهجس ذلك في نفسه، وتوهّم أنّا قد تذاكرنا أمره.

فكان يتزيّد في تكثير الطعام، وفي إظهار الحرص على أن يؤكل، حتى قال: من رفع يده، قبل القوم، غرّمناه دينارا فيرى بعضهم أن غرم دينار أولى، فذلك منه محتمل في رضى نفسه، وما يرجو من نفع ذلك له.

ولقد خبّرني خبّاز لبعض أصحابنا أنه جلده على إنضاج الخبز، وأنه قال له: إنضج خبزي الذي يوضع بين يديّ، واجعل خبز من يأكل معي على مقدار بين المقدارين. وأما خبز العيال والضيف، فلا تقرّبنّه من النار إلا بقدر ما يصير العجين رغيفا، وبقدر ما يتماسك فقط. فكلفّه العويص «1» ، فلما أعجزه ذلك، جلده حدّ الزاني الحرّ.

فحدثت بهذا الحديث عبد الله العروضي «2» ، فقال: ألم تعرف شأن الجدي؟ ضرب الشّواء ثمانين سوطا، لمكان الإنضاج. وذلك أنه قال له:

ضع الجدي في التنور، حين نضع الخوان، حتى أستبطئك أنا في إنضاجه، وتقول أنت: بقي قليل. ثم تجيئنا به، وكأني قد أعجلتك.

فماذا وضع بين أيديهم غير منضج، احتسبت عليهم بإحضار الجدي.

فإذا لم يأكلوه، أعدته الى التنور، ثم أحضرتناه، الغد، باردا، فيقوم الجدي الواحد مقام جديين. فجاء به الشوّاء يوما نضيجا، فعمل فيه القوم. فجلده ثمانن جلدة، جلد القاذف الحرّة.

حدثني أحمد بن المثنى، عن صديق لي وله، ضخم البدن، كثير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015