فورد الكتاب على الفيض قبل نفوذه كتابه اليه، فلما قرأه استرجع وكتب إليه: «يا أخي تضاعفت عليّ المصيبة، حتى جمعت خلة عيالك الى خلة عيالي.
وقد كنت على الاحتيال لهم، وسأضطرب في وجوه الحيل غير هذا الأضطراب، وسأتحرّك في بيع ما عندي، ولو ببعض الطرح «1» » .
فلما رجع الكتاب الى ابن عبّاد سكن، وألقى صاحبه في أشد الحركة وأتعب التعب.
وكان رجل من أبناء الحربية له سخاء وأريحية، وكان يكثر من استزارة «2» ابن عبّاد، ويتلف عليه من الأموال، من طريق الرغبة في الأدباء وفي مشايخ الظرفاء. وكان يظن بكرمه، أن زيارته ابن عبّاد في منزله زيادة في المؤانسة وقد كان بلغه إمساكه، ولكنه لم يظن أنه لا حيلة في سببه.
فأتاه يوما متطرّئا «3» ، وقال: «جئتك من غير دعاء، وقد رضيت بما حضر» . قال: «فليس يحضر شيء. وقولك: «بما حضر» لا بدّ من أن يقع على شيء» . قال: «فقطعة مالح» ، قال: «وقطعة مالح ليس هي شيء» ؟
قال: «بلى» ، ثم قال: «فنحن نشرب على الريق» ، قال: «لو كان عندنا نبيذ كنا في عرس «4» » ، قال: «فأنا أبعث الى النبيذ» ، قال: «فاذا صرت الى تحويل النبيذ، فحوّل أيضا ما يصلح للنبيذ» . قال: «ليس يمنعني من ذلك، ومن إحضار النقل والريحان إلا لأني أحتسب لك هذه الزورة بدعوة، وليس يجوز ذلك إلا بأن يكون لك فيها أثر» . قال محمد: «فقد انفتح لي باب لكم فيه صلاح، وليس عليّ فيه فساد. في هذه النخلة زوج ورشان «5» ، ولهما فرخان