البخلاء للجاحظ (صفحة 256)

ثم يقول للذي يليه: «أبا فلان ما أدمك» ؟ فيقول: «الشبارقات «1» والأخبصة والفالوذجات «2» » . قال: «طعام العجم، وعيش كسرى، ولباب البرّ، بلعاب النحل، بخالص السمن» ، حتى أتى على آخرهم؛ كل ذلك يقول: «بئس العيش هذا. ليس هذا عيش آل الخطاب. كان ابن الخطاب. يضرب على هذا» .

فلما انقضى كلامه أقبل عليه بعضهم، فقال: «يا أبا سعيد ما أدمك» ؟ قال: «يوما لبن، ويوما زيت، ويوما سمن، ويوما تمر، ويوما جبن ويوما قفار، ويوما لحم. عيش آل خطاب» .

ثم قال: قال أبو الأشهب: كان الحسن يشتري لأهله كل يوم بنصف درهم لحما. فإن غلا فبدرهم، فلما حبس عطاؤه كانت مرقته بشحم.

ونبّئت عن رجل من قريش أنه كان يقول: «من لم يحسن يمنع لم يحسن يعطي» وإنه قال لابنه: «أي بني؛ إنك إن أعطيت في غير موضع الإعطاء أوشك أن تستعطي الناس فلا تعطى» . ثم أقبل علينا، فقال: هل علمتم أن اليأس أقلّ من القناعة وأعزّ؟ إن الطمع لا يزال طمعا، وصاحب الطمع لا ينتظر لأسباب، ولا يعرف لطمع الكاذب من الصادق. والعيال عيالان: شهوة مفسدة وضرس طحون «3» ، وأكل الشهوة أثقل من أكل الضرس؛ وقد زعموا أن العيال سوس المال، وأنه لا مال لذي عيال. وأنا أقول إن الشهوة تبلغ ما لا يبلغ السوس، وتأتي على ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015