بأصوات ملتفّة على الباب، وإذا صاحبي ينتفي ويعتذر، وإذا الجيران قد اجتمعوا إليه، وقالوا: ما هذا الثلط «1» الذي يسقط من جناحك، بعد أن كنا لا نرى إلا شيئا كالبعر من يبس الكعك. وهذا ثلط يعبّر عن كل غضّ. ولولا أنك انتجعت «2» على بعض من تستر وتوارى لأظهرته. وقد قال الأول:
السّتر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
ولولا أن هذا طلبة السلطان لما توارى. فلسنا نأمن من أن يجرّ على الحيّ بليّة، ولست تبالي إذا حسنت حالك في عاجل أيامك الام يفضي بك الحال، وما تلقى عشيرتك. فأمّا أن تخرجه إلينا، وإما أن تخرجه عنا» .
قال عبد النور: فقلت: «هذه والله القيافة، ولا قيافة بني مدلج «3» . إنا لله! خرجت من الجنة إلى النار» . وقلت: «هذا وعيد وقد أعذر من أنذر» .
فلم أظن أن اللؤم يبلغ ما رأيت من هؤلاء، ولا ظننت أن الكرم يبلغ ما رأيت من أولئك «4» .
شهدت الأصمعي يوما، وأقبل على جلسائه يسألهم عن عيشهم، وعمّا يأكلون ويشربون. فأقبل على الذي عن يمينه، فقال: «أبا فلان ما إدامك» ؟ قال: «اللحم» ، قال: «أكل يوم لحم» ؟ قال: «نعم» ، قال: «وفيه الصفراء البيضاء والحمراء والكدراء والحامضة والحلوة والمرّة» ؟ قال: «نعم» . قال: «بئس العيش! هذا ليس عيش آل