جعل في الجناح خرقا بقدر عينه. فلما طالت الأيام صار ينظر من شق باب كان مسمورا. ثم ما زال يفتحه الأول فالأول، إلى أن صار يخرج رأسه، ويبدي وجهه. فلما لم ير شيئا يريبه، قعد في الدهليز، فلما ازداد في الأنس، جلس على باب الدار، ثم صلّى معهم في مصلاهم ودخل، ثم صىّ بعد ذلك وجلس. والقوم عرب، فكانوا يفيضون في الحديث، ويذكرون من الشّعر الشاهد والمثل، ومن الخبر الأيام والمقامات. وهو في ذلك ساكت، إذ أقبل عليه ذات يوم فتى منهم، خرج عن أدبهم، وأغفل بعض ما راضوه به من سيرتهم، فقال له: «يا شيخ إنا قوم نخوض في ضروب، فربما تكلمنا بالمثلبة، وأنشدنا الهجاء، فلو أعلمتنا ممن أنت تجنبنا كل ما يسوءك. ولو اجتنبنا أشعار الهجاء كها، وأخبار المثالب «1» بأسرها، لم نأمن أن يكون ثناؤنا ومديحنا لبعض العرب مما يسوءك. فلو عرّفتنا نسبك كفيناك سماع ما يسوءك من هجاء قومك، ومن مدح عدوّك» . فلطمه شيخ منهم وقال: «لا أمّ لك! محنة كمحنة الخوارج، وتنقير كتنقير العيّابين «2» . ولم لا تدع ما يريبك الى ما لا يريبك، فسكت إلا عما توقن بأنه يسرّه» ؟
قال: وقال عبد النور: ثم إن موضعي نبا بي لبعض الأمر، فتحولت الى شقّ بني تميم. فنزلت برجل، فأخذته بالثقة، وأكمنت نفسي إلى أن أعرف سبيل القوم. وكان للرجل كنيف إلى جانب داره، يشرع في طريق لا ينفذ، إلا من مرّ به في ذلك الشارع رأى مسقك الغائط من خلاء ذلك الجناح. وكان صاحب الدار ضيّق لعيش، فاتّسع بنزولي عليه.
فكان القوم إذا مرّوا به، ينظرون إلى موضع الزبل والغائط، فلا يذهب قلبي إلى شيء مما كانوا يذهبون إليه. فبينا أنا جالس ذات يوم، إذ أنا