أخذ يمنة، وأخذ ما بين يدي من كان بينه وبين ثمامة، حتى لم يدع إلّا عرقا قدّام ثمامة، ثم مال على جانبه الأيسر فصنع مثل ذلك الصنيع.
وعارضه ابنه وحكاه. فلما أن نظر ثمامة إلى الثريدة مكشوفة القناع، مسلوبة عارية، واللحم كله بين يده وبين يدي إبنه، إلا قطعة واحدة بين يديه، تناولها فوضعها قدام إبراهيم ابنه. فلم يدفعها واحتسب بها في الكرامة والبرّ.
فقال قاسم لما فرغ من غدائه: «أما رأيتم إكرام ثمامة لإبني، وكيف خصّه» فلما حكي هذا لي، قلت: «ويلك أظن أن في الأرض عرقا أشأم على عيالك منه. هذا أخرجه الغيظ، وهذا الغيظ لا يتركه حتّى يتشفّى منك. فإن قدر لك على ذنب فقد والله هلكت، وإن لم يقدر عليه أقدره لك الغيظ. وأبواب التجنّي كثيرة، وليس أحد إلا وفيه ما إن شئت تجعله ذنبا جعلته، فكيف ذنوب من قرنك إلى قدمك» ! وكان ثمامة يفطر، أيام كان في أصحاب الفساطيط «1» ، ناسا، فكثروا عليه، وأتوه بالرقاع «2» والشفاعات. وفي حشوة المتكلمّين «3» أخلاق قبيحة، وفيهم على أهل الكلام، وعلى أرباب الصناعات، محنة عظيمة. فلما رأى ثمامة ما قد دهمه، أقبل عليهم وهم يتعشون فقال:
«إن الله عزّ وجل لا يستحي من الحق، كلكم واجب الحق، ومن لم تجئنا شفاعته فالحرمة كمن تقدمت شفاعته. كما أنا لو استطعنا أن نعمّكم بالبرّ لم يكن بعضكم أحق بذلك من بعض، فكذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس بعضكم بالحرمان من بعض، أو بالحمل عليه «4» ، أو بالإعتذار اليه، من بعض. ومتى قرّبتكم وفتحت بابي لكم، وباعدت