البخلاء للجاحظ (صفحة 250)

يدعوك إلى هذا؟ لو أردتهم لكان لساني مطلقا، وكان رسولي يؤدي عني.

فلم تحبس على طعامي من لا آنس به» ؟ قال: «إنما أريد أن أسخّيك، فأنفي عنك التبخيل وسوء الظنّ» . فلما أن كان بعد ذلك، أراد بعضهم الانصراف، فقال له قاسم: «أين تريد» ؟ قال: «قد تحرّك بطني، فأريد المنزل» قال: «فلم لا تتوضأ ههنا؟ فإن الكنيف «1» خال نظيف، والغلام فارغ نشيط، وليس من أبي معن «2» حشمة، ومنزله منزل إخوانه» ، فدخل الرجل يتوضأ؛ فلما كان بعد أيام حبس آخر، فلما كان بعد ذلك حبس آخر، فاغتاظ ثمامة، وبلغ في الغيظ مبلغا لم يكن على مثله قط، ثم قال: «هذا يحبسهم على غدائي لأن يسخّيني. يحبسهم على أن يخرأوا عندي لمه؟ لأن من لم يخرأ عنده فهو بخيل على الطعام؟

وقد سمعتهم يقولون فلان يكره أن يؤكل عنده، ولم أسمع أحدا قط قال: فلان يكره أن يخرأ عنده» .

وكان قاسم شديد الأكل، شديد الحبط «3» قذر المؤاكلة. وكان أسخى الناس على طعام غيره، وأبخل الناس على طعام نفسه، وكان يعمل عمل رجل لم يسمع بالحشمة ولا بالتجمّل قط. فكان لا يرضى بسوء أدبه على طعام ثمامة، حتى يجر معه إبنه إبراهيم. وكان بينه وبين إبراهيم إبنه في القذر بقدر ما بينه وبين جميع العالمين. فكانا إذا تقابلا على خوان ثمامة لم يكن لأحد على أيمانهما وشمائلهما حظّ في الطّيبات.

فأتوه يوما بقصعة ضخمة فيها ثريدة كهيئة الصومعة مكللة باكليل من عراق، بأكثر ما يكون من العراق «4» . فأخذ قاسم الذي يستقبله، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015