البخلاء للجاحظ (صفحة 179)

الماء. وأشد من هذا كله أن تعلق، فتحتاج إلى ظئر «1» ، فنقع في ما لا غاية له.

مع أمور كثيرة نسي بعضها أحمد، وبعضها أنا.

وكان أبو سعيد هذا، مع بخله، أشدّ الناس نفسا وأحماهم أنفا «2» .

بلغ من أمره ذلك ومن بلوغه فيه، أنه أتى رجلا من ثقيف يقتضيه ألف دينار، وقد حلّ عليه المال. فكان ربما أطال عنده الجلوس. ويحضر عنده الغذاء فيتغدّى معه، وهو في ذلك يقتضيه.

فلما طال عليه المطل، قال له يوما، وهو على خوانه:» إن لهذا المال زكاة مؤداة. وقد علمنا أنّا حين أخرجنا هذا المال من أيدينا، أنه معرّض للذهاب، وللمنازعة الطويلة، ولأن يقع في الميراث، ثم رضينا منك بالربح اليسير، بالذي ظنناه بك من حسن القضاء، ولولا ذلك لم نرض بهذا المال «3» . وهذا المال إذا كان شرطه أن يرجع بعد سنة، فرفّهت عنك بحسن المطالبة شهرا أو شهرين، ثم مكث عندي، إلى أن أصبت له مثلك، شهرا أو شهرين، محق فضله، وخرج علينا فضل. ومثلك يكتفي بالقليل وقد طال اقتضائي وطال تغافلك» . يقول هذا الكلام، وهو في ذلك لا يقطع الأكل.

فأقبل عليه رجل من ثقيف، فعرّض له بأنه لو أراد التقاضي محضا لكان ذلك في المسجد، ولم يكن في الموضع الذي يحضر فيه الغداء.

فقطع الأكل، ثم نزا «4» في وجهه الدم، ونظر إليه نظر الجمل الصؤول «5» ، ثم كاد يطير «6» ، ثم أقبل عليه فقال: «لا أمّ لك! أنا إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015