اصطبغت من دنّ خلّ «1» حتى فني من حسن العقل، وأحببت الغنى بغضي للفقر، وأبغضت الفقر بفضل أنفتي من احتمال الذلّ. تعرّض لي لا أمّ لك بأني أرغب في غدائه؟ والله ما أكلت معه إلا ليستحيي من حرمة المؤاكلة، وليصير كرمه سببا لتعجيل الحاجة «2» » . ثم نهض بالصك «3» ، وعليه طينته، فاعترض بها الحائط حتى كسرها. ثم تفل في الكتاب وحكّ بعضه ببعض، ثم مزّقه ورمى به. ثم قال لكلّ من شهد المجلس: «هذه ألف دينار كانت لي على أبي فلان، اشهدوا جميعا على أني قد قبضت منه، وأنه بريء من كل شيء أطالبه به، ثم نهض.
فلما صنع ما صنع أقبل الغريم على صاحبه فقال: «ما دعاك إلى هذا الكلام؟ لم تقوله لهذا الرجل على مائدتي، وتقدم بهذا الكلام على من لا تعرف كيف موقع الأمور منه؟ وبعد، فقد والله أردت مطله الى أن أبيع الثمر، ورجونا حلاوته. فقد أحسنت إليه، وأسأت إلينا وعجّلت عليه ماله. اذهب يا غلام، فاضرب بذلك الثمر السوق «4» ، فبعه بما بلغ، فيأخذ ماله كملا «5» » . ثم ركب إليه، فأبى أن يأخذه، فلما كثر الأمر في ذلك قال: «أظن الذي دعا صاحبك الى ما قال إنه عربيّ وأنا مولى «6» . فإن جعلت شفعاءك من الموالي أخذت هذا المال، وإن لم تفعل فإني لا آخذه» . فجمع الثقفي كل شعوبيّ «7» بالبصرة حتى طلبوا إليه «8» أخذ المال.