كثرة المضغ تشدّ العمور «1» وتقوّي الأسنان وتدبغ اللثة وتغذو أصولها، وإعفاء الأضراس من المضغ يريّخها «2» ، وإنما الفم جزء من الإنسان. وكما أن الإنسان نفسه إذا تحرّك وعمل قوي، وإذا طال سكوته تفتّخ واسترخى، فكذلك الأضراس. ولكن رفقا، فإن الأتعاب ينقض القوة.
ولكلّ شيء مقدار ونهاية. فهذا ضرسك لا تشتكيه، وبطنك أيضا لا تشتكيه» ؟
فإن قال: «والله إن أروي «3» من الماء، وما أظن أن في الدنيا أحدا أشرب مني للماء» قال: «لا بدّ للتراب من ماء، ولا بد للطين من ماء يبلّه ويرويه. أوليست الحاجة على قدر كثرته وقلّته. والله لو شربت ماء الفرات ما استكثرته لك، مع ما أرى من شدّة أكلك وعظم لقمك.
تدري ما قد تصنع؟ أنت والله تلعب. أنت لست ترى نفسك فسل عنك من يصدقك، حتى تعلم أن ماء دجلة يقصر عما في جوفك» . فإن قال: «ما شربت اليوم ماء البتّة، وما شربت أمس بمقدار نصف رطل.
وما في الأرض إنسان أقلّ شربا مني للماء» ، قال: «لأنك لا تدع لشرب الماء موضعا، ولأنك تكنز في جوفك كنزا لا يجد الماء معه مدخلا.
والعجب لا تتخم، لأن من لا يشرب الماء على الخوان، لا يدري مقدار ما أكل، ومن جاوز مقدار الكفاية كان حريّا بالتخمة» .
فإن قال: «ما أنام الليل كلّه. وقد أهلكني الأرق «4» » قال:
«وتدعك الكظّة «5» والنّفخة والقرقرة أن تنام؟ والله لو لم يكن إلا العظش الذي ينبّه الناس لما نمت. ومن شرب كثيرا بال كثيرا. ومن كان الليل