البخلاء للجاحظ (صفحة 127)

حازم بن خزيمة، وهرثمة بن أعين «1» وكان عنده فيه من الإحتيال ما لا يعرفه عمرو بن العاص، ولا المغيرة بن شعبة «2» ؛ وكان كثيرا ما يمسك الخلال بيده، ليؤنس الداخل عليه من غدائه؛ فاذا دخل عليه الصديق له، وقد عزم على إطعام الزائر الزائرين قبله، وضاق صدره بالثالث، وإن كان قد دعاه وطلب إليه، أراد أن يحتال له، أو الرابع إن ابتلي كلّ واحد منهما بصاحبه، فيقول عند أول دخوله وخلع نعله وهو رافع صوته بالتنويه وبالتشنيع: «هات يا مبشّر لفلان شيئا يطعم منه، هات له شيئا ينال منه، هات له شيئا» ، اتّكالا على خجله أو غضبه أو أنفته، وطمعا في أن يقول: «قد فعلت» .

فان أخطأ ذلك الشقيّ وضعف قلبه وحصر، وقال: «قد فعلت» ، وعلم أنه قد أحرز وحصّله وألقاه وراء ظهره، لم يرض أيضا بذلك حتى يقول: «بأي شيء تغدّيت» ؟ فلا بد له من أن يكذب، أو ينتحل المعاريض «3» فإذا استوثق منه رباطا، وتركه لا يستطيع أن يترمرم «4» ، لم يرض بذلك حتى يقول في حديث له: «كنا عند فلان، فدخل عليه فلان فدعاه الى غدائه، فامتنع. ثم بدا له، فقال: في طعامكم بقيلة أنتم تجيدونها، ثم تناوله» : فلا يزال يزيد في وثاقه، وفي سد الأبواب عليه، وفي منعة البدوات حتى إذا بلغ الغاية قال: «يا مبشر أما إذ تغدّى فلان واكتفى، فهات لنا شيئا نعبث به» .

فإذا وضعوا الطعام، أقبل على أشدّهم حياء، أو على أشدّهم أكلا، فسأله عن حديث حسن، أو عن خبر طويل. ولا يسأله إلا عن حديث يحتاج فيه الى الإشارة باليد أو الرأس كلّ ذلك ليشغله. فإذا هم أكلوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015