البخلاء للجاحظ (صفحة 126)

يصلح عليه المال» دليل على أن الماء يمريء، حتى قالوا: «إن الماء الذي يكون عليه النفّاطات «1» أمرأ من الماء الذي يكون سليه القيّارات «2» فعليكم بشرب الماء على الغداء، فإن ذلك أمرأ» .

وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: «يا غلام اسقني ماء أو اسق فلانا ماء» ، أتاه بقلة على قدر الريّ، فإذا قال: «أطعمني شيئا» ، أو قال: «هات لفلان طعاما» ، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة، والطعام والشراب أخوان متحالفان ومتوازران؟ وكان يقول: لولا رخص الماء وغلاء الخبز، لما كلبوا على الخبز وزهدوا «3» في الماء. والناس أشدّ تعظيما للمأكول إذا كثر تمنه، أو كان قليلا في أصل منبته وموضع عنصره. هذا الجزر الصافي، وهذا الباقلي الأخضر العباسي، أطيب من كمثري خراسان، ومن المؤز البستاني. ولكنهم لقصر همّتهم لا يتشهّون إلا على قدر الثمن، ولا يحنون الى إلا على قدر القلة وهذه العوام في شهوات الأطعمة إنما تذهب مع التقليد، أو مع العادة، أو على قدر ما يعظم عندها من شأن الطعام. وأنا لست أطعم الجزر المسلوق بالخل والزيت والمرّيّ، دون الكمأة «4» بالزّبد والفلفل، لمكان الرّخص، أو لموضع الإستفيضال، ولكن لمكان طيبه في الحقيقة، ولأنه صالح للطبيعة.

علم ذلك من علم، وجهل ذلك من جهل.

وكان إذا كان في منزله، فربما دخل عليه الصديق له، وقد كان تقدّمه الزائر أو الزائران؛ وكان يستعمل على خوانه من الخدع والمكايد والتدبير ما لم يبلغ بعضه قيس بن زهير «5» ، والمهلب بن أبي صفرة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015