البخلاء للجاحظ (صفحة 128)

صدرا «1» ، أطهر الفتور والتشاغل والتنقّر كالشبعان الممتلىء «2» . وهو في ذلك غير رافع يده ولا قاطع أكله. إنما هو النّتف بعد النّتف، وتعليق اليد في خلل ذلك. فلا بدّ من أن ينقبض بعضهم ويرفع يده، ربما شمل ذلك جماعتهم. فإذا علم أنه قد أحرزهم واحتال لهم، حتى يقلعهم من مواضعهم من حول الخوان، «3» ويعيدهم الى مواضعهم من مجالسهم، ابتدأ الأكل، فأكل أكل الجائع المقرور «4» وقال: «إنما الأكل تارات والشرب تارات» .

وكان كثيرا ما يقول لأصحابه إذا بكروا عليه: لم لا نشرب أقداحا على الريق؟ فإنها تقتل الديدان، وتحفش «5» لأنفسنا قليلا، فإنها تأتي على جميع الفضول، وتشهّي الطعام بعد ساعة. وسكّره أطيب من سكر «6» الكظّة «7» . والشارب على الملأة بلاء «8» ، وهو بعد ذلك دليل على أنك نبيذي خالص. ومن لم يشرب على الريق فهو نكس «9» في الفتوة ودعي «10» في أصحاب النبيذ. وإنما يخاف على كبده من سورة الشراب على الريق، من بعد عهده باللحم. وهذه الصبحة «11» تغسل عنكم الأوضار «12» ، وتنفي التّخم، وليس دواء الخمار إلا الشرب بالكبار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015