لقد كان رفع يده ولم ينتظر غيره. ولذلك قال أبو الحارث جمّين، حين رآه لا يمس: «هذا المدفوع عنه» . ولولا أنه على ذلك شاهد الناس، لما قال ما قال. ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة «1» ، ويدعها كل واحد منهم لصاحبه حتى أن القصعة «2» لقد كانت ترفع البيض خاصة لعلى حاله وأنت اليوم إذا أردت أن تمتع عينك بنظرة واحدة منها، ومن بيض السّلاءة «3» لم تقدر على ذلك. لا جرم لقد كان تركه ناس كثير، ما بهم إلا أن يكونوا شركاء من ساءت رعته.
وكان يقول: الآدام «4» أعداء للخبز. وأعداها له المالح. فلولا أن الله انتقم منه وأعان عليه بطلب صاحبه الماء وإكثاره منه، لظننت أنه سيأتي على الحرث والنسل. وكان مع هذا يقول: لو شرب الناس الماء على الطعام ما اتخموا، وأقلهم عليه شربا أكثرهم تخما «5» . وذلك أن الرجل لا يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء. وربما كان شبعان وهو لا يدري. فإذا ازداد على مقدار الحاجة بشم «6» . وإذا نال من الماء شيئا بعد شيء، عرّفه ذلك مقدار الحاجات، فلم يزد إلا بقدر المصلحة.
والأطباء يعلمون أن ما أقول حق، ولكنهم يعلمون أنهم لو أخذوا بهذا الرأي لتعطّلوا، ولذهب المكسب. وما حاجة الناس الى المعالجين إذا صحّت أبدانهم؟ وفي قول جميع الناس أن ماء دجلة أمرأ «7» من الفرات وأن ماء مهران أمرأ من ماء نهر بلخ، وفي قول العرب: «هذا ماء نمير