مناشبتهم القتال، وقصد قتله خفية، وليس يجري في نفخة الصعق شيء من الكيد والحيل، فلا يليق حمله عليه «1» .

وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ من جهة الغير في دفع العذاب عنهم.

وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي: لهم، ووضع الموصول موضع الضمير تسجيلاً عليهم بالظلم، أي: وإنَّ لهؤلاء الظلمة عَذاباً آخر دُونَ ذلِكَ دون ما لا قوة من القتل، أي: قبله، وهو القحط الذي أصابهم، حتى أكلوا الجلود والميتة. أو: وإنَّ لهم عذاباً دون ذلك، أي: وراءه، وهو عذاب القبر وما بعده من فنون عذاب الآخرة، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن الأمر كما ذكر، وفيه إشارة إلى أنَّ فيهم مَن يعلم ذلك، وإنما يصر على ذلك عناداً أو: لا يعلمون شيئاً أصلاً إذ هم جاهلية جهلاء.

الإشارة: أهل الحسد والعناد لا ينفعهم ما يرونه من المعجزات والكرامات، أو الحسد يُغطي نور البصيرة، فذرهم في غفلتهم وحيرتهم، وكثافة حجابهم، حتى يُصعقوا بالموت فيعرفون الحق، حين لا تنفع المعرفة فيقع الندم والتحسُّر. وإنَّ لهم عذاباً دون ذلك، وهو عيشهم في الدنيا عيش ضنك في هَم وغم وجزع وهلع، ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون ذلك لأنهم لا يرون إلا مَن هو مثلهم. ومَن توسعت دائرة معرفته، فعاش في روح وريحان، فهو غائب عنهم، لا يعرفون مقامه، ولا منزلته.

ثم أمر بالصبر، الذي هو عنوان الظفر بكلّ مطلوب، فقال:

[سورة الطور (52) : الآيات 48 الى 49]

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)

يقول الحق جلّ جلاله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمَن كان على قدمه: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بإمهالهم إلى اليوم الموعود مع مقاساتك آذاهم، أو: واصبر لِمَا حكم به عليك من شدائد الوقت، وإذاية الخلق، فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا أي:

حفظنا وحمايتنا، بحيث نراقبك ونكلؤك. والمراد بالحُكم: القضاء السابق، أي: لما قُضي به عليك، وفي إضافة الحُكم إلى عُنوان الربوبية تهييج على الصبر، وحمل عليه، أي: إنما هو حُكم سيدك الذي يُربيك ويقوم بأمورك وحفظك، فما فيه إلا نفعك ورفعة قدرك. وجمع العين والضمير للإيذان بغاية الاعتناء بالحفظ والرعاية. وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي: نزِّهه ملتبساً بحمده على نعمائه الفائتة للحصر، حِينَ تَقُومُ أي: من أيّ مكان قمت، أو: من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015