منامك. وقال سعيد بن جبير: حين تقوم من مجلسك تقول: سبحانك اللهم وبحمدك. وقال الضحاك والربيع: إذا قمت إلى الصلاة فقل: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّكَ، ولا إله غيرك (?) . هـ. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ أي: في بعض الليل وأفراده لأن العبادة فيه أشق على النفس، وأبعد من الرياء، كما يلوح به تقديمه على الفعل، والمراد إما الصلاة في الليل، أو التسبيح باللسان سبحان الله وبحمده، وَإِدْبارَ النُّجُومِ أي: وقت إدبارها، أي: غيبتها بضوء الصبح، والمراد: آخر الليل، وقيل: التسبيح من الليل: صلاة العشاء، وإدبار النجوم:
صلاة الفجر. وقرأ زيدٌ عن يعقوب بفتح الهمز (?) ، أي: أعقابها إذا غربت.
الإشارة: في هذه تسلية لأهل البلاء والجلال، فإنّ مَن عَلِمَ أن ما أصابه إنما هو حُكم ربه، الذي يقوم به ويحفظه، وهو بمرئً منه ومسمَعٍ، لا يهوله ما نزل، بل يزيده غبطةً وسروراً لعلمه بأنه ما أنزله به إلا لرفعة قدره، وتشحير (?) ذهب نفسه، وقطع البقايا منه، فهو في الحقيقة نعمة لا نقمة، وفي الحِكَم: «مَن ظن انفكاك لطف الله عن قدره فذلك لقصور نظره» . (?)
قال القشيري: أي: اصبر لما حكم به في الأزل، فإنه لا يتغير حكمنا الأول إن صبرت وإن لم تصبر، لكن إن صبرت على قضائي جزيت ثواب الصابرين بغير حساب. وفيه إشارة أخرى، أي: اصبر فإنك بأعيننا نعينك على الصبر لأحكامنا الأزلية، كما قال تعالى: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ (?) . هـ. وقيل المعنى: فإنك من جُملة أعيننا، وأعيان الحق الكُمل من الأنبياء، والرسل، والملائكة، وأكابر أوليائه، فإنهم أعيان تجلياته، ولذلك الإشارة بقول عمر رضي الله عنه في شأن عليّ- كرّم الله وجهه، حين ضرب شخصاً فشكاه: «أصابته عين من عيون الله» ، وذلك لما تمكنوا من سر الحقيقة، صاروا عين العين. ومن ذلك قولهم: ليس الشأن أن تعرف الاسم، إنما الشأن أن تكون عين الاسم، أي: عين المُسمّى، وهو سر التصرُّف بالهوية عند التمكين فيها، وتمكُّن غيبة الشهود في الملك المعبود، وقوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ... الخ، فيه إشارة إلى مداومة الذكر، والاستغراق فيه، ودوام التنزيه لله تعالى عن رؤية شيء معه. وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.