الإشارة: عقوق الأساتيذ «1» أقبح من عقوق الوالدين، كما أن برهما أوكد لأن الشيخ أخرجك من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة بالله، والوالدان أخرجاك إلى دار التعب، مُعرض لأمرين، إما السلامة أو العطب، والمراد بالشيخ هنا شيخ التربية، لا شيخ التعليم، فلا يقدّم حقه على حق الوالدين، هذا ومَن يَسّر اللهُ عليه الجمع بين بِر الوالدين والشيخ فهو كمال الكمال. وبالله التوفيق.

ثم ذكر جزاء العاقّ المنكر للبعث، فقال.

[سورة الأحقاف (46) : آية 20]

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)

قلت: «ويوم» : منصوب بقول مقدّر قبل «أذهبتم» أي: يُقال لهم: أَذْهبتُمْ طيباتِكُم يوم عرضكم، أو بالذكر، وهو أحسن.

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أي: يُعذّبون بها، من قولهم: عُرض بنو فلان على السيف، إذا قُتلوا به، وقيل: المراد: عرض النار عليهم، من قولهم: عرضت الناقة على الحوض، يريدون: عرض الحوض عليها، فقلبوا. وإذا عُرضوا عليها يُقال لهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ أي:

أخذتم ما كُتب لكم من حظوظ الدنيا ولذائذها فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا فقد قدمتم حظكم من النعيم في الدر الفانية.

قال ابن عرفة: قيل: المراد بالطيبات المستلذات، والظاهر: أن المراد أسباب المستلذات، أي: الأسباب التي تتوصلون بها إلى نيل المستلذات فى الدر الآخرة، إذ نسيتموها في الدنيا، أي: تركتموها ولم تفعلوها. هـ. قلت:

يُبعده قوله: وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها أي: فلم يُبق ذلك لكم شيئاً منها، بل قدمتم جنتكم في دنياكم.

وعن عمر- رضي الله عنه: لو شئتُ كنتُ أطيبَكم طعاماً، وألينكم لباساً، ولكني أستبقي طيباتي. ولما قَدِم الشامَ صُنعَ له طعامٌ لم يُر قبله مثله، قال: هذا لنا، فما للفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ قال خالد:

لهم الجنة، فاغروْرقتْ عينا عمر وبكى، وقال: لئن كان حظنا من الحطام، وذهبوا بالجنة، لقد باينونا بونا بعيدا «2» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015