وقال أبو هريرة رضي الله عنه: إنما كان طعامنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الماء والتمر، والله ما كان نرى سمراءَكم هذه، وقال أبو موسى: ما كان لباسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصوف.
ورُوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهل الصُّفة، وهم يرقعون ثيابهم بالأدَم، ما يجدون لها رقاعا، فقال: «أنتم اليوم خيرٌ أم يوم يغدو أحدكم في حُلة، ويروح في أخرى، ويُغدا عليه بجفنة (?) ويُراح بأخرى، ويُسترُ بيته كما تُستر الكعبة» ؟ قالوا: نحن يومئذ خير، فقال لهم: «بل أنتم اليوم خير» (?) .
وقال عمرو بن العاص (?) : كنت أتغدّى عند عمر الخبزَ والزيتَ، والخبز والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد، وأجلّ ذلك اللحم الغريض (?) ، وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق، فإنه كله طعامٌ، ثم قال عمر رضي الله عنه: والله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ، لولا أني أخاف أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركتهم في العيش! ولكني سمعتُ اللهَ يقول لقوم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها. هـ (?) .
فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أي: الهوان، وقرىء به، بِما كُنْتُمْ في الدنيا تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، بغير استحقاق لذلك، وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ، وتخرجون عن طاعة الله عزّ وجل، أي:
بسبب استكباركم وفسقكم.
الإشارة: مازالت الأكابر من الأولياء تتنكب الحظوظ والشهوات، مجاهدةً لنفوسهم، وتصفيةً لقلوبهم، فإنَّ تَتَبُّعَ الشهوات يُقَسي القلب، ويكسِف نور العقل، كما قال الشاعر:
إنَارَةُ العقل مَكْسُوفٌ بطَوْع هَوىً ... وعَقْلُ عَاصِي الهَوَى يَزْدَادُ تنْوِيرا.
هذا في حال سيرهم، فإذا تحقق وصولهم فلا كلام عليهم لأنهم يأخذون من الله، ويتصرفون به في أمورهم كلها، فلا حرج عليهم في نيل ما أنعم الله به عليهم، حيث أمِنوا ضرره، ومن ذلك: ما رُوي عن إبراهيم بن أدهم،