على الإيمان، لا حقيقة الهلاك، آمِنْ بالله وبالبعث إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والحساب حَقٌّ لا مرية فيه، وأضاف الوعد إليه- تعالى- تحقيقاً للحق، وتنبيهاً على خطئه، فَيَقُولُ مكذّباً لهما: ما هذا الذي تسميانه وعْد اللهِ إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أباطيلهم التي سطروها في كتبهم، من غير أن يكون له حقيقة.

أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، وهو قوله تعالى لإبليس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (?) كما يبنئ عنه قوله تعالى-: فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أي: في جملة أمم قد مضت، إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ حيث ضيّعوا فطرتهم الأصلية، الجارية مجرى رؤوس أموالهم، باتباعهم الشيطان، وتقليداً بآبائهم الضالين.

وَلِكُلٍّ من الفريقين المذكورين، الأبرار والفجار، دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أي: منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، ويقال في جانب الجنة: درجات، وفي جانب النار: دركات، فغلب هنا جانب الخير.

قال الطيبي: ولكلٍّ من الجنسين المذكورين درجاتٌ، والظاهر أن أحد الجنسين ما دلّ عليه قوله: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (?) ، والآخر قوله: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما، ثم غلب الدرجات على الدركات، لأنه لمّا ذكر الفريق الأول، ووصفَهم بثباتٍ في القول، واستقامةٍ في الفعْل، وعقَّب ذلك بذكر فريقِ الكافرين، ووصفهم بعقوق الوالدين، وبإنكارهم البعثَ، وجعل العقوقَ أصلاً في الاعتبار، وكرر في القِسم الأول الجزاء، وهو ذكر الجنة مراراً ثلاثاً، وأفْردَ ذكر النار، وأخّره، وذكرَ ما يجمعُهما، وهو قوله: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ غلب الدرجات على الدركات لذلك، وفيه ألا شيء أعظم من التوحيد والثبات عليه، وبر الوالدين والإحسان إليهما، ولا شيء أفحش من عقوق الوالدين، وإنكار الحشر، وفي إيقاع إنكار الحشر مقابلاً لإثبات التوحيد الدلالة على أن المنكر معطل مبطل لحكمة الله في إيجاد العالم. هـ.

وَلِيُوَفِّيَهُمْ (?) أَعْمالَهُمْ، وقرأ المكي والبصري بالغيب، أي: وليوفيهم الله جزاء أعمالهم، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب الأولين، وزيادة عقاب الآخرين، واللام متعلقة بمحذوف، أي: وليوفيهم أعمالهم، ولا يظلمهم حقوقهم، فعل ما فعل من ترتيب الدرجات أو الدركات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015