ثم ذكر وبال عقوقهما، فقال:
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19)
قلت: وَالَّذِي قالَ: مبتدأ، وخبره: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، والمراد ب «الذي قال» الجنس، ولذلك جمع الخبر.
يقول الحق جلّ جلاله: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ عند دعوتهما إلى الإيمان: أُفٍّ لَكُما، وهو صوت يصدر عن المرء عند تضجُّره وقَنَطِه، واللام لبيان المؤفّف، كما في «هيتَ لك» وفيه أربعون لغة، مبسوطة في محلها، أي: هذا التأفيف لكما خاصة، أو لأجلكما دون غيركما.
وعن الحسن: نزلت في الكافر العاقّ لوالديه، المكذِّب بالبعث، وقيل: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، قبل إسلامه. وأنكرت عائشة- رضي الله عنها- ذلك، وقالت: والله ما نزال في آل أبي بكر شيئاً من القرآن، سوى براءتي «1» ، ويُبطل ذلك «2» قطعاً: قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، لأنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم، وكان من فضلاء الصحابة، وحضر فتوحَ الشام، وكان له هناك غناء عظيم، وكان يسرد الصيامَ. قال السدي:
ما رأيت أعبد منه. هـ. وقال ابن عباس: نزلت في ابنٍ لأبي بكر، ولم يسمه، ويرده ما تقدّم عن عائشة، ويدل على العموم: قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، ولو أراد واحداً لقال: حق عليه القول.
ثم قال لهما: أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ أي: أُبعث وأُخرج من الأرض، وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ولم يُبعث أحد منهم، وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ، يسألانه أن يغيثه ويوفقه للإيمان، أو يقولان: الغِياث بالله منك، ومن قولك، وهو استعظام لقوله، ويقولان له: وَيْلَكَ دعاء عليه بالثبور والهلاك، والمراد به: الحث والتحريض