من ذهب، ليس فيها صحفة إلا وفيها لون ليس في الأخرى مثله، شهوته في آخرها كشهوته في أولها، ولو نزل به جميع أهل الدنيا لوسع عليهم مما أعطى، ولا ينقص ذلك مما اُوتي شيئاً» (?) . ويجمع بينهما بتعدُّد اهل هذه المنزلة، وتفاوتهم.

وَفِيها أي: في الجنة ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ من فنون الملاذ. ومَن قرأ بحذف الهاء فلطول الموصول بالفعل والفاعل. وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ أي: تستلذه، وتقر بمشاهدته، وهذا حصر لأنواع النعيم لأنها إما مشتهيات في القلوب، أو: مستلذات في العيون، ففي الجنة كل ما يشتهي العبد من الملابس والمناكح والمراكب.

رُوي أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أُحبُّ الخيلَ، فهل في الجنة خيلٌ؟ فقال: «إنْ يُدْخلك اللهُ الجنةَ فلا تشاء أن تركبَ فرساً من ياقُوتَةٍ حمراء، يَطيرُ بكَ في الجنة حيث شئت، إلا فعلت، قال أعرابي: يا رسول الله، إني أحبُّ الإبلَ، فهل في الجنة إبل؟ فقال: يا أعرابي، إن يُدْخلك الله الجنة ففيها ما اشتهت نفسك ولذَت عيناك» (?) . هـ. وقال أبو طيبة السلمي: إن الشرذمة من أهل الجنة لتظلهم سحابة، فتقول: ما أُمْطِرْكُم؟ فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أَمطرَتْه، حتى إن الرجل منهم يقول: أمطر علينا كواعب أتراباً. وقال أبو أُمامة: إنَّ الرجلَ مِنْ أهلِ الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير، فيقع نضيجاً في كفه كما أراد، فيأ كل منه حتى تشهى نفسه، ثم يطير كما كان أول مرة، ويشتهي الشراب، فيقع الإبريق في يده، فيشرب منه ما يريد، ثم يُرفع الإبريق إلى مكانه. هـ. من الثعلبي.

قال القشيري: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس للعُبَّاد لأنهم [قاسوا] (?) في الدنيا- بحكم المجاهدات- الجوعَ والعطشَ، وتحمّلوا وجوهَ المشاقِّ، فيجزون في الجنة وجوهاً من الثواب، وأما أهل المعرفة والمحبُّون فلهم ما تلذّ أعينهم من النظر إلى الله، لطول ما قاسوه من فَرْطِ الاشتياق بقلوبهم، وما عالجوه من احتراقهم فيه لشدة غليلهم. هـ.

والحاصل: أن ما تشتهي الأنفس يرجع لنعيم الأشباح، وتلذ الأعين لنعيم الأرواح من النظر، والقُرب، والمناجاة والمكالمة، والرضوان الأكبر، منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر.

وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ إتمام للنعمة، وكمال للسرور فإن كل نعيم له زواله مكدر بخوف زواله لا محالة.

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ مبتدأ وخبر، والَّتِي أُورِثْتُمُوها: صفة الجنة، أو: «الجنة» صفة المبتدأ، الذي هو الإشارة، و «التي أورثتموها» : خبره. أو: «التي أورثتموها» صفة المبتدأ، وبِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: خبر، أي: حاصلة، أو كائنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015