بما كنتم تعملون في الدنيا، شبه جزاء العمل بالميراث لبقائه على أهله دائماً، ولا ينافي هذا قوله صلّى الله عليه وسلم: «لَن يَدخلَ أحدُكُمُ الجنةَ عملُه» (?) لأن نفس الدخول بالرحمة، والتنعُّم والدرجات بقدر العمل، أو: تقول: الحديث خرج مخرج الحقيقة، والآية خرجت مخرج الشريعة، فالحقيقة تنفي العمل عن العبد، وتُثبته لله، والشريعة تُثبته له باعتبار الكسب، والدين كله وارد بين حقيقة وشريعة فإذا شرَّع القرآنُ حققته السُّنة، وإذا شرعت السنة حققه القرآن. والله تعالى أعلم.
لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ بحسب الأنواع والأصناف، لا بحسب الأفراد فقط، مِنْها تَأْكُلُونَ أي: لا تأكلون إلا بعضها، وأعقابها باقية في أشجارها على الدوام، لا ترى فيها شجراً خلت عن ثمرها لحظة، فهي مزيّنة بالثمار أبداً، موقورة بها، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت في مكانها مثلاها» (?) .
الإشارة: كل خُلة وصحبة تنقطع يوم القيامة، إلاَّ خُلة المتحابين في الله، وهم الذين ورد في الحديث: أنهم يكونون في ظل العرش، والناس في حر الشمس، يغشى نورُهم الناسَ في المحشر، يغبطهم النبيون والشهداء لمنزلتهم عند الله. قيل: يا رسول الله، مَن هؤلاءِ؟ صفهم لنا لنعرفهم، قال: «رجالٌ من قبائلَ شتى، يجتمعون على ذكر الله» (?) .
وقد ورد فيهم أحاديث، منها: حديث الموطأ، عن معاذ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى:
وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ» (?) ، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني: قال صلّى الله عليه وسلم: «المتحابُّون في الله عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه» (?) ، وفي حديث آخر: «ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يفرع من الحساب» (?) وقال: صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال: مَن هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عز وجل» .