هو الإسلام وسائر الشرائع والأحكام، صِراطِ اللَّهِ بدل من الأول، وإضافته إلى الاسم الجليل، ثم وصفه بقوله تعالى: الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لتفخيم شأنه، وتقرير استقامته، وتأكيد وجوب سلوكه فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى، خلقاً، وملكاً، وتصرفاً، مما يُوجب ذلك أتم الإيجاب. أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ أي: الأمور قاطبة راجعة إليه، لا إلى غيره، فيتصرّف فيها على وِفق حكمته ومشيئته.
الإشارة: قد تحصل للأولياء المكالمة مع الحق تعالى بواسطة تجلياته، فيسمعون خطابه تعالى من البشر والحجر، أو بلا واسطة، بحيث يسمعون الكلام من الفضاء، وإليه أشار الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه بقوله: «وهب لنا مشاهدةً تصحبها مكالمة» ، ولا تكون هذه الحالة إلا للأكابر من أهل الفناء والبقاء. وأما مكالمة الحق من النور الأقدس، بلا واسطة، فهو خاص نبينا صلّى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن الفاسى رضي الله عنه:
والذي عندي أن التكلم على المكافحة والمشافهة إنما يكون بالانخلاع عن البشرية، ومحوها، والبقاء بصفات الربوبية، وذلك إشارة إلى أنه- عليه السلام- إنما شُوفَه وكلّم بعد العروج عن أرض الطبيعة إلى سماء الحقيقة، وكان بالأرض يُكلم بالواسطة، وموسى كُلّم بغير واسطة، ولكن بغير مشافهة، ولذلك كان كلامه بالأرض، ولم يعط الرؤية لأنها لا تكون في الأرض، أي: في أرض البشرية بل لا بد من الغيبة عنها. وذهب الورتجبي إلى أن الحصْر فيما ذكر في الآية إنما هو لمَن كان في حجاب البشرية، فأما مَن خرج عنها إلى الغيب، وألبس نور القرب وكحّل عينه بنوره تعالى، ومدّ سمعه بقوة الربوبية، فإنه يُخاطب كفاحاً وعياناً. ونقل مثل ذلك عن الواسطي، فراجع بسطه فيه. والفرق بينه وبين ما ذكرنا: أن خطاب المكافحة عنده خارجة من الثلاثة المذكورة في الآية، وعندنا داخلة في قوله: إِلَّا وَحْياً لأنه أعم من المشافهة، والله أعلم.
وقوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: طريق الوصول والترقي أبداً، فيؤخذ منه: أن وساطته صلّى الله عليه وسلم لا تنقطع عن المريد أبداً لأن الترقي يكون باستعمال أدب العبودية، وهي مأخوذه عنه صلّى الله عليه وسلم، وكما أن الترقي لا ينقطع فالأدب- الذي هو سلوك طريقته صلّى الله عليه وسلم لا ينقطع. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.