مكية. وهى تسع وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ... «1» إلخ، مع قوله:
وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا، فإنه تتميم له.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (?) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (?) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5)
يقول الحق جلّ جلاله: حم يا محمد، وَحق الْكِتابِ الْمُبِينِ أي: المبين لِما أنزل عليهم، لكونه بلغتهم، وعلى أساليبهم، أو: الموضّح لطريق الهدى من الضلالة، أو: المبيّن لكل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة. وجواب القسم: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا بلغتكم لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي: جعلنا ذلك الكتاب قرآناً عربياً لكي تفهموه، وتُحيطوا بما فيه من النظم الرائق، والمعنى الفائق، وتقفوا على ما تضمّنه من الشواهد القاطعة بخروجه عن طوق البشر، وتعرفوا حق النعمة في ذلك، فتنقطع أعذاركم بالكلية.
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا أي: وإن القرآن العظيم مثبت عند الله في اللوح المحفوظ، دليله قوله تعالى:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «2» . وسُمِّي أمّ الكتاب لأنه أصل الكتب السماوية، منه تُنقل وتُنسخ. وقوله تعالى: لَعَلِيٌّ خبر" إن" أي: إنه رفيع القدر بين الكتب، شريف المنزلة لكونه معجزاً من بينها. أو: في أعلى طبقات البلاغة. حَكِيمٌ ذو حكمة بالغة،. أو: محكم، لا ينسخه كتاب.
وبعد ما بيَّن علو شأنه، وبيَّن أنه أنزله بلغتهم ليعلموه، ويؤمنوا به، ويعملوا بما فيه، عقَّبَ ذلك بإنكار أن يكون الأمر بخلافه، فقال: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ أي: ننحيه ونُبعده. والضرب: مجاز، من قولهم: ضرب الغرائب