والذي عليه جمهور المحققين أن نبينا عليه الصلاة والسّلام رأى ربه ليلة المعراج، وكلّمه مشافهة، وعليه حمل البيضاوي قوله تعالى: إِلَّا وَحْياً لأن الوحي هو: الكلام الخفي، المدرك بسرعة، أعم من أن يكون مشافهة أو غيرها.
قال الطيبي: وإذا حمل الوحي على ما قاله البيضاوي، وأنه المشافهة، المعنى بقوله: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَآ أَوْحى
(?) اتجه ترتيب الآية، وأنه ذكر أولاً الكلام بلا واسطة، بل مشافهة، وهو حال نبينا صلّى الله عليه وسلم، ثم ذكر ما كان بغير واسطة، ولكن لا بمشافهة، بل من وراء الغيب، ثم ذكر الكلام بواسطة الإرسال (?) . هـ. بالمعنى.
إِنَّهُ عَلِيٌّ متعال عن صفات المخلوقين، لا يتأتى جريان المفاوضة بينه تعالى وبينهم إلا بأحد الوجوه المذكورة، ولا تكون المكافحة إلا بالغيبة عن حس البشرية، حَكِيمٌ يُجري أفعاله على سنن الحكمة، فيكلم تارة بواسطة، وأخرى بدونها، مكافحة، أو غيرها.
وَكَذلِكَ أي: ومثل ذلك الإيحاء البديع- كما وصفنا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا وهو القرآن، الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان، فحييت الحياة الأبدية. ما كُنْتَ تَدْرِي قبل الوحي مَا الْكِتابُ أيّ شيء هو، وَلَا الْإِيمانُ بما في تضاعيف الكتاب من الأمور التي لا تهتدي إليها العقول، لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر، فإنَّ درايته صلّى الله عليه وسلم مما لا ريب فيه قطعاً. قال القشيري: ما كنت تدري قبل هذا ما القرآن ولا الإيمان بتفصيل هذه الشرائع. وقال الشيخ البكري: أي الإيمان على الوجه الأخص، المرتب على تنزلات الآيات، وتلاوة البينات، واستكشاف وجه الحق بأنوار العلم المنزل على قلبه من حضرة ربه. هـ.
وقال ابن المنير: الإيمان برسالة نفسه، وهو المنفي عنه قبل الوحي لأن حقيقة الإيمان التصديق بالله وبرسوله. هـ.
وَلكِنْ جَعَلْناهُ أي: الروح الذي أوحيناه إليك نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ هدايته مِنْ عِبادِنا، وهو الذي يصرف اختياره نحو الاهتداء به. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي بذلك النور مَن نشاء هدايته، أو: وإنك لتدعو إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ