وأقيمت بعده، ويهب لمَن يشاء الذكور مَن ورّث علم الأذواق والوجدان، وعمّر رجالاً، أو يزوجهم مَن ورثهما، ويجعل مَن يشاءُ عقيماً لم يترك وارثاً، لا من الظاهر، ولا من الباطن، وقد يكون كاملاً وهو عقيم، وقد يكون غير كامل وله أولاد كثيرة، لكن الغالب على مَن له أولاد أن يتسع بهم، بخلاف العقيم. والله تعالى أعلم.
ثم قرر عظمة ملكه، فقال:
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
يقول الحق جلّ جلاله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أي: ما صحّ لأحد من البشر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ بوجه من الوجوه إِلَّا وَحْياً إلهاماً، كقوله عليه الصلاة والسّلام: «ألقي في رُوعي» «1» أو: رؤيا في المنام لقوله صلّى الله عليه وسلم:
«رؤيا الأنبياء وحي» «2» كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح الولد، وكما أوحي إلى أم موسى، رُوي عن مجاهد: «أَوحى اللهُ الزبورَ إلى داود عليه السلام- في صدره» . أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ بأن يسمع كلاماً من الله، من غير رؤية السامع مَن يكلمه، كما سمع موسى عليه السلام من الشجرة، ومن الفضاء في جبل الطور، وليس المراد به حجاب الله تعالى على عبده حساً إذ لا حجاب بينه وبين خلقه حساً، وإنما المراد: المنع من رؤية الذات بلا واسطة.
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا أو: بأن يرسل مَلَكاً فَيُوحِيَ الملَكُ بِإِذْنِهِ بإذن الله تعالى وتيسيره ما يَشاءُ من الوحي. وهذا هو الذي يجري بينه تعالى وبين أنبيائه في عامة الأوقات. روي: أن اليهود قالت للنبى صلّى الله عليه وسلم: ألا تلكم الله، وتنظر إليه إن كنت نبياً، كما كلمة موسى، ونظر إليه؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: «لم ينظر موسى إلى الله تعالى» فنزلت «3» .