وقال في لطائف المنن: شاهد العلم، الذي هو مطلب الله تعالى: الخشية، وشاهد الخشية: موافقة الأمر، فأما علم تكون معه الرغبة في الدنيا، والتملُّق لأربابها، وصرف الهمة لاكتسابها، والجمع، والادخار، والمباهاة، والاستكثار، وطول الأمل، ونسيان الآخرة، فما أبعد من هذا نعته مِنْ أن يكون من ورثة الأنبياء! وهل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي كان بها عند الموروث عنه. ومثل مَنْ هذه الأوصاف أوصافه من العلماء كالشمعة، تُضيء على غيرها، وهي تحرق نفسها. جعل الله العلم- الذي علمه من هذا وصفه- حجة عليه، وسبباً في تكثير العقوبة لديه. هـ.

وتقديم اسم الله تعالى، وتأخير العلماء، يُؤذِن أن معناه: إن الذين يخشون الله من عباده العلماء دون غيرهم.

ولو عكس، بأن قال: إنما يخشى العلماءُ الله، لكان المعنى: أنهم لا يخشون إلا الله.

وقرأ أبو حنيفة وعمر بن عبد العزيز: بنصب «العلماء» ورفع «الله» . والخشية في هذه القراءة بمعنى التعظيم.

والمعنى: إنما يعظم الله من عباده العلماء. وعنه صلى الله عليه وسلم: «يقول الله للعلماء يوم القيامة- إِذا قَعَدَ على كُرسيِّه، يفصل قضاء عباده: إني لم أجعلْ عِلْمي وحِلْمي فِيكُمْ إلا وأنا أُريدُ أن أغفرَ لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي» (?) ، قال المنذري: انظر إلى قوله: «علمي وحلمي» يتضح لك بإضافته إليه أنه لم يرد به علم أكثر أهل الزمان المجرّد عن العمل به والإخلاص. وفي رواية: «لم أجعل حكمتي فيكم إلا لخير أُريده بكم، ادخلوا الجنة بما فيكم» . وقال- عليه الصلاة والسلام-: «يُوزن يوم القيامة مداد العلماء ودماء الشهداء، فيرجع مداد العلماء على دماء الشهداء» (?) .

إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ، هو تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة لعزته وغلبته، وإثابة أهل الطاعة، والعفو عنهم لعظيم غفرانه، والمعاقب والمثيب حقه أن يُخشى.

الإشارة: العلماء على قسمين علماء بأحكام الله، وعلماء بالله، العلماء بالأحكام يخشون غضبه وعقابه، والعلماء بالله يخشون إبعاده واحتجابه، العلماء بالأحكام يتقون مواطن الآثام، والعلماء بالله يتقون سوء الأدب في حضرة الملك العلاّم. فخشية العلماء بالله أرق وأشد. العلماء بالله أخذوا علمهم من الله، والعلماء بالأحكام أخذوا علمهم عن الأموات. قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه: في علماء أهل الرواية: مساكين أخذوا علمهم ميت عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015