والفرق بين الخوف والرهبة والخشية: أن الخوف من العقاب، والرهبة من العتاب، والخشية من الإبعاد. قال القشيري: والفرق بين الخشية والرهبة: أنَّ الرهبة: خوفٌ يُوجِبُ هَرَبَ صاحبه، فيجري في تفرقته. والخشية إذا حصلت كَبَحَت صاحبها، فيبقى مع الله. فقدمت الخشية على الرهبة في الجملة، والخوف قضية الإيمان، قال تعالى: وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (?) . والخشية قضية العلم والهيبة. هـ. ثم قال: العالم يخاف تقصيره في حقِّ ربه، والعارف يخشى من سوء أدبه وترْك احترامٍ، وانبساط في غير وقت، بإطلاق لَفْظٍ، أو تَرخِيص بِترْكِ الأَوْلى. هـ.
قال الورتجبي: الخوف عموم، والخشية خصوص. وقد قرن سبحانه الخشية بالعلم، أي: العلم بالله وجلاله وقدره وربوبيته وعبوديته له. وحقيقة الخشية: وقوع إجلال الحق في قلوب العارفين، ممزوجاً بسنا التعظيم، ورؤية الكبرياء والعظمة، ولا يحصل ذلك إلا لمَن شاهد القدم، والأزل، والبقاء، والأبد، فمَن زاد علمه بالله زاد خشية، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا أعرفكم بالله وأخشاكم منه» . هـ. وفي الحديث: قيل يا رسول الله: أيُّ الأَعْمَال أَفْضَلُ؟ قال: «العلم» قيل: أيُّ العلم؟ قال: «العلم بالله سبحانه» (?) . وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعُه؟ والله إني لأعلمُكم بالله، وأشدُّكم له خشيةً» (?) .
ثم قال (?) : عن جعفر الصادق: العلم أمْرُ تركِ الحرمة في العبادات، وترك الحرمة في الحياء من الحق، وترك الحرمة في متابعة الرسول، وترك الحرمة في خدمة الأولياء الصدّيقين. هـ. ومعى كلامه: أن العلم الحقيقي هو الذي يأمن صاحِبُه من انتهاك حرمة العبادات، ومِن هتْك حرمة الاحتشام من الله ورسوله وأوليائه. ومَن أراد من العلماء السلامة من الاغترار بالعلم فليطالع شرح ابن عباد، في قول الحِكَم: «العلم إن قارنته الخشية فلك، وإلا، فعليك» . وبالله التوفيق.