الفلاسفة والطبائعيين، أهل الحدس والتخمين، إذا لم يقتدوا بالكتاب المبين، وشرعِ النبي الأمين. أولئك هم الضالون المضلُّون.
ولمّا كان النظر في هذه المصنوعات إنما يكون بالعلم، ذكر أهله، فقال:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ ...
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ أي: يخافه مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ لأنهم هم الذين يتفكرون في عجائب مصنوعاته، ودلائل قدرته، فيعرفون عظمته وكبرياءه، وجلاله وجماله، ويتفكرون فيما أعد الله لمَن عصاه من العذاب ومناقشة الحساب، وفيما أعد لمَن خافه وأطاعه من الثواب، وحسن المآب، فيزدادون خشية، ورهبة، ومحبة، ورغبة في طاعته، وموجب رضوانه، دون مَن عداهم من الجهّال. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم:
«أعلمكم بالله أشدكم له خشية» (?) وقال صلى الله عليه وسلم: «رأس الحكمة مخافة الله» (?) .
وقال الربيع بن أنس: مَن لم يَخشَ الله فليس بعالم، وقال ابن عباس في تفسير الآية: كفى بالزهد عِلماً، وقال ابن مسعود: كفى بخشية الله عِلماً، وبالاعتذار جهلاً. وفي الحِكَم: «خيرُ علم ما كانت الخشية معه» . وقال في التنوير: اعلم أن العلم حيثما تكرر في الكتاب والسُنَّة فإنما المراد به العلم النافع، الذي تٌقارنه الخشية، وتكتنفه المخافة. قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ. بيّن سبحانه أن الخشية تلازم العلم، وفهم من هذا أن العلماء إنما هم أهل الخشية. هـ.
وقال الشيخ ابن عباد رضي الله عنه: واعلم أن العلم النافع، المتفق عليه فيما سلف وخلف، إنما هو العلم الذي يؤدي بصاحبه إلى الخوف والخشية، وملازمة التواضع والذلة، والتخلُّق بأخلاق الإيمان، إلى ما يتبع ذلك من بغض الدنيا والزهادة فيها، وإيثار الآخرة عليها، ولزوم الأدب بين يدي الله تعالى، إلى غير ذلك من الصفات العلية، والمناحى السنية. هـ.