وَجَهْدِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَقَرَنَ ذَلِكَ بِقَوْلِكَ: قَعَدَ فُلَانٌ يَتَمَنَّى، وَقَامَ فُلَانٌ يَبْكِي، وَأَنْتَ لَمْ تَقْصِدِ الْإِخْبَارَ بِقُعُودٍ وَلَا قِيَامٍ وَإِنَّمَا هِيَ تَوْطِئَاتٌ فِي الْكَلَامِ وَالْعِبَارَةِ.
قُرَّةَ أَعْيُنٍ كِنَايَةٌ عَنِ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُرِّ وَهُوَ الْبَرْدُ. يُقَالُ: دَمْعُ السُّرُورِ بَارِدٌ، وَدَمْعُ الْحُزْنِ سُخْنٌ، وَيُقَالُ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ، وَأَسْخَنَ اللَّهُ عَيْنَ الْعَدُوِّ. وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ:
فَأَمَّا عُيُونُ الْعَاشِقِينَ فَأَسْخَنَتْ ... وَأَمَّا عُيُونُ الشَّامِتِينَ فَقَرَّتِ
وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَرَارِ أَيْ يَقَرُّ النَّظَرُ بِهِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَقُرَّةُ الْعَيْنِ النَّوْمُ أَيْ آمِنَّا لِأَنَّ الْأَمْنَ لَا يَأْتِي مَعَ الْخَوْفِ حَكَاهُ الْقَفَّالُ، وَقُرَّةُ الْعَيْنِ فِيمَنْ ذَكَرُوا رُؤْيَتَهُمْ مُطِيعِينَ لِلَّهِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَحَضْرَمِيٌّ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَهْتَدِي الْأَبُ وَالِابْنُ كَافِرٌ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ كَافِرَةٌ، وَكَانَتْ قُرَّةُ عُيُونِهِمْ فِي إِيمَانِ أَحْبَابِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُرَّةُ عين الولدان تَرَاهُ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ دَعَوْا بِذَلِكَ لِيُجَابُوا فِي الدُّنْيَا فَيُسَرُّوا بِهِمْ. وَقِيلَ:
سَأَلُوا أَنْ يُلْحِقَ اللَّهُ بِهِمْ أُولَئِكَ فِي الْجَنَّةِ لِيَتِمَّ لَهُمْ سُرُورُهُمْ انْتَهَى. وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ ذَلِكَ نَتِيجَةُ إِيمَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَمِنَ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ هَبْ لَنا مِنْ جهتهم ما تقربه عُيُونَنَا مِنْ طَاعَةٍ وَصَلَاحٍ، وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ لِلْبَيَانِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: كَأَنَّهُ قِيلَ هَبْ لَنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ثُمَّ بُيِّنَتِ الْقُرَّةُ وَفُسِّرَتْ بِقَوْلِهِ مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَهُمُ اللَّهُ لَهُمْ قُرَّةَ أَعْيُنٍ مِنْ قَوْلِكَ: رَأَيْتُ مِنْكَ أَسَدًا أَيْ أَنْتَ أَسَدٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ مِنْ الَّتِي لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا بُدَّ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْمُبَيَّنَ. ثُمَّ يَأْتِيَ بِمِنَ الْبَيَانِيَّةِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَثْبَتَ أَنَّهَا تَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِثَابِتٍ لِمِنْ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْحَرَمِيَّانِ وَحَفْصٌ وَذُرِّيَّاتِنَا عَلَى الْجَمْعِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَطَلْحَةُ عَلَى الْإِفْرَادِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ قُرَّاتِ عَلَى الْجَمْعِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْإِفْرَادِ.
وَنُكِّرَتِ الْقُرَّةُ لِتَنْكِيرِ الْأَعْيُنِ كَأَنَّهُ قَالَ هَبْ لَنَا مِنْهُمْ سُرُورًا وَفَرَحًا وَجَاءَ أَعْيُنٍ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْقِلَّةِ دُونَ عُيُونٍ الَّذِي هُوَ صِيغَةُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ أَعْيُنُ الْمُتَّقِينَ وَهِيَ قَلِيلَةٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عُيُونِ غَيْرِهِمْ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ أَعْيُنٍ تَنْطَلِقُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهُ مِنَ الْجَمْعِ، وَالْمُتَّقُونَ لَيْسَتْ أَعْيُنُهُمْ عَشَرَةً بَلْ هِيَ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَإِنْ كَانَتْ عُيُونُهُمْ قَلِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُيُونِ غَيْرِهِمْ فَهِيَ مِنَ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ تَفُوتُ الْعَدَّ. وَأَفْرَدَ إِماماً إِمَّا اكْتِفَاءً بِالْوَاحِدِ عَنِ الْجَمْعِ، وَحَسَّنَهُ كَوْنُهُ فَاصِلَةً وَيَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ وَلَا لَبْسَ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمَعْنَى