ابْنُ عَبَّاسٍ: قَائِمٌ وَحَصِيدٌ عامر كزغر وَدَاثِرٍ، وَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ عُمُومِ الْقُرَى. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: قَائِمُ الْجُدْرَانِ وَمُنْهَدِمٌ، وَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ خُصُوصِ الْقُرَى، وَأَنَّهَا قُرَى أُولَئِكَ الْأُمَمِ الْمُهْلَكِينَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَعْضُهَا بَاقٍ وَبَعْضُهَا عَافِي الْأَثَرِ كَالزَّرْعِ الْقَائِمِ عَلَى سَاقِهِ، وَالَّذِي حُصِدَ انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ، قَالَ قَتَادَةُ: قَائِمُ الْأَثَرِ وَدَارِسُهُ، جَعَلَ حَصْدَ الزَّرْعِ كِنَايَةً عَنِ الْفَنَاءِ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَالنَّاسُ فِي قَسْمِ الْمَنِيَّةِ بَيْنَهُمْ ... كَالزَّرْعِ مِنْهُ قَائِمٌ وَحَصِيدُ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَائِمٌ لَمْ يُخْسَفْ، وحصيد قَدْ خُسِفَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَائِمٌ لَمْ يَهْلَكْ بعد، وحصيد قَدْ أُهْلِكَ. وَقِيلَ: قَائِمٌ أَيْ بَاقٍ نَسْلُهُ، وَحَصِيدٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ نَسْلُهُ. وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ أَهْلِ الْقُرَى. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: مِنْ أَنْبَاءِ أَهْلِ الْقُرَى، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ، فَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: حَصِيدٌ أَيْ مَحْصُودٌ، وَجَمْعُهُ حَصْدَى وَحِصَادٌ، مِثْلَ: مَرْضَى وَمِرَاضٌ، وَبَابُ فَعْلَى جَمْعًا لِفَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ يَعْقِلُ نَحْوَ: قَتِيلٍ وَقَتْلَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا مَحَلُّ هَذِهِ الْجُمْلَةِ؟ قُلْتُ: هِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: مِنْهَا قَائِمٌ ابْتِدَاءٌ، وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الهاء في نقصه، وحصيد مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَمِنْهَا حَصِيدٌ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ تَجَوُّزٌ أَيْ: نَقُصُّهُ عَلَيْكَ وَحَالُ الْقُرَى ذَلِكَ، وَالْحَالُ أَبْلَغُ فِي التَّخْوِيفِ وَضَرْبِ الْمَثَلِ لِلْحَاضِرِينَ أَيْ: نَقُصُّ عَلَيْكَ بَعْضَ أَنْبَاءِ الْقُرَى وَهِيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ يُشَاهِدُونَ فِعْلَ اللَّهِ بِهَا. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ أَيْ: بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاهُمْ، بَلْ وَضَعْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ، وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِوَضْعِ الْكُفْرِ مَوْضِعَ الْإِيمَانِ، وَارْتِكَابِ مَا بِهِ أُهْلِكُوا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَمَا أَغْنَتْ، نَفْيٌ أَيْ، لَمْ تَرُدَّ عَنْهُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ شَيْئًا وَلَا أَجْدَتْ. يَدْعُونَ حِكَايَةُ حَالٍ أَيِ: الَّتِي كَانُوا يَدْعُونَ، أَيْ يَعْبُدُونَ، أَوْ يَدْعُونَهَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَهُبَلَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَمَّا مَنْصُوبٌ بِمَا أَغْنَتْ انْتَهَى. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَمَّا ظَرْفٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهَا حَرْفُ وُجُوبٍ لوجوب. وأمر رَبِّكَ هُوَ عَذَابُهُ وَنِقْمَتُهُ. وَمَا زَادُوهُمْ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْعُقَلَاءِ فِي الْإِسْنَادِ إِلَى وَاوِ الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ لِمَنْ يَعْقِلُ، لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْعُقَلَاءِ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا تَنْفَعُ، وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ. وَالتَّتْبِيبُ التَّخْسِيرُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الشَّرُّ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْخُسْرَانُ وَالْهَلَاكُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: التَّخْسِيرُ، وَقِيلَ: التَّدْمِيرُ. وَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَصُورَةُ زِيَادَةِ الْأَصْنَامِ التَّتْبِيبُ، إِنَّمَا هُوَ يُتَصَوَّرُ بِأَنَّ تَأْمِيلَهَا وَالثِّقَةَ بِهَا وَالتَّعَبَ فِي عِبَادَتِهَا شَغَلَتْ نُفُوسَهُمْ عَنِ النَّظَرِ فِي الشَّرْعِ