الْوِرْدِ عَلَى الْمَوْرُودِ مَجَازٌ، إِذْ نَقَلُوا أَنَّهُ يَكُونُ صَدْرًا بِمَعْنَى الْوُرُودِ، أَوْ بِمَعْنَى الْوَارِدَةِ مِنَ الْإِبِلِ وَتَقْدِيرُهُ: بِئْسَ الْوِرْدُ الَّذِي يَرِدُونَهُ النَّارُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْرُودَ صِفَةٌ لِلْوِرْدِ، وَأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ، وَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ النَّارَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ يُبْتَنَى عَلَى جَوَازِ وَصْفِ فَاعِلِ بِئْسَ وَنِعْمَ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ بِئْسَ الْقَوْمُ الْمَوْرُودُ بِهِمْ هُمْ، فَيَكُونُ الْوِرْدُ عُنِيَ بِهِ الْجَمْعُ الْوَارِدُ، وَالْمَوْرُودُ صِفَةٌ لَهُمْ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ الضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ وَهُوَ هُمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَمًّا لِلْوَارِدِينَ، لَا ذَمًّا لِمَوْضِعِ الْوُرُودِ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فِي هَذِهِ إِلَى الدُّنْيَا وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي قِصَّةِ هُودٍ، وَدَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُ الْآخِرَةُ. فَيَوْمَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ فِي هَذِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ أُلْحِقُوا لَعْنَةً فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي هَذِهِ لَعْنَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ بِالْغَرَقِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ بِالنَّارِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَهُمْ لَعْنَتَانِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّقْسِيمَ هُوَ أَنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَعْنَةً، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرْفِدُونَ بِهِ فَهِيَ لَعْنَةٌ وَاحِدَةٌ أَوَّلًا، وقبح ارفادا آخِرًا انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْمُولٌ لَبِئْسَ، وَبِئْسَ لَا يَتَصَرَّفُ، فَلَا يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُهَا عَلَيْهَا، فَلَوْ تَأَخَّرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَحَّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أَنْتَ إِذَا ... دُعِيَتْ نِزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرِ

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ رِفْدُهُمْ، أَيْ: بِئْسَ الْعَوْنُ الْمُعَانُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّعْنَةَ فِي الدُّنْيَا رِفْدٌ لِلْعَذَابِ وَمَدَدٌ لَهُ، وَقَدْ رُفِدَتْ بِاللَّعْنَةِ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: بِئْسَ الْعَطَاءُ الْمُعْطَى انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَرْفُودَ صِفَةٌ لِلرِّفْدِ، وَأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ:

رِفْدُهُمْ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ تَفْسِيرِهِ أَيْ بِئْسَ الْعَوْنُ الْمُعَانُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَسُمِّيَ الْعَذَابُ رِفْدًا عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِمْ تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضرب وجيع. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الرِّفْدُ الرِّفَادَةُ أَيْ بِئْسَ مَا يَرْفِدُونَ بِهِ بَعْدَ الْغَرَقِ النَّارُ.

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ. وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ: الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَوْمِهِمْ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ أَيْ ذَلِكَ النَّبَأُ بَعْضُ أَنْبَاءِ الْقُرَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْنَى بِالْقُرَى قُرَى أُولَئِكَ الْمُهْلَكِينَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ، وَأَنْ يَعْنِيَ الْقُرَى عُمُومًا أَيْ: هَذَا النَّبَأُ الْمَقْصُوصُ عَلَيْكَ هُوَ دَيْدَنُ الْمُدُنِ إِذْ كَفَرَتْ، فَدَخَلَ الْمُدُنُ الْمُعَاصِرَةُ. وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا عَائِدٌ عَلَى الْقُرَى. قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015