أَنَّ الْآخَرَ مَجَازٌ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ وَالْفِعْلَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْعُ الْآخَرِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ فَرْعَ الْفِعْلِ أَوْ بِالْعَكْسِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. بِخِلَافِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فَرْعَ الْمُفْرَدِ بَلْ بِمَثَابَةِ تَكْرَارِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: شَعَرَ مَجَازٌ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ لِاخْتِلَافِ الْمَصْدَرِ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ مَجَازٌ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْجَمْعِ. وَقَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى " الْمُنْتَخَبِ ": وَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْجَمْعِ لَا يَدُلُّ مُطْلَقًا إلَّا بِزِيَادَةِ قَيْدٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ مَثَلًا: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ حَقِيقَةٌ، وَأَنَّهُ يُجْمَعُ عَلَى أَوَامِرَ، فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْفِعْلِ جُمِعَ عَلَى أُمُورٍ فَخُولِفَ بِهِ جَمْعَ الْحَقِيقَةِ، فَقَدْ عُدِلَ بِهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَمَا عُدِلَ بِهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ يَكُونُ مَجَازًا، وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِلتَّمْثِيلِ، وَإِلَّا فَالْأَمْرُ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَوَامِرَ قِيَاسًا، وَإِنَّمَا هُوَ جَمْعُ آمِرَةٍ كَفَاطِمَةَ وَفَوَاطِمَ، وَتَسْمِيَةُ الصِّيغَةِ أَمْرًا مَجَازٌ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْحَقِيقَةَ يُشْتَقُّ مِنْهَا الصِّفَةُ، وَالْمَجَازُ لَا يُشْتَقُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِمَعْنَى الطَّلَبِ حِينَئِذٍ يُشْتَقُّ مِنْهُ فَيُقَال: أَمَرَ يَأْمُرُ أَمْرًا فَهُوَ آمِرٌ، وَبِمَعْنَى الْبَيَانِ وَالصِّفَةِ مَجَازٌ لَا يَتَصَرَّفُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ بَرْهَانٍ بِأَنَّهُ رُبَّ مَجَازٍ يُشْتَقُّ مِنْهُ إذَا وَقَعَ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ كَالْغَائِطِ فَإِنَّهُ يُقَالُ: تَغَوَّطَ الرَّجُلُ يَتَغَوَّطُ تَغَوُّطًا، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فِي الْفَضْلَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: الْفِعْلُ " شَأَنَ " حَقِيقَةٌ ثُمَّ لَا يُقَالُ: شَأَنَ يَشْأَنُ فَهُوَ شَائِنٌ، وَرُبَّ مَجَازٍ يَتَصَرَّفُ. وَكَذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ "، رُبَّ حَقِيقَةٍ لَا يَصْدُرُ عَنْهَا الِاشْتِقَاقُ، وَهُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْدَرًا، وَرُبَّ مَجَازٍ وَرَدَ التَّجَوُّزُ بِنُعُوتٍ صَادِرَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015