وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقَعُ مَقْدُورًا مُكْتَسَبًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ؟ . فَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الضَّرُورِيُّ نَظَرِيًّا؟ . فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ لَا يَتِمُّ الْعَقْلُ إلَّا بِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ نَظَرِيًّا، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ يَجُوزُ.
وَطُرُقُ الْعِلْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُنْحَصِرَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ: عَقْلٍ وَسَمْعٍ وَحِسٍّ، وَعَنَوْا بِالْحِسِّ عُلُومَ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْعَادَاتِ، وَاضْطَرَبُوا فِي عُلُومِ الْإِلْهَامِ وَالتَّوَسُّمِ وَالْمُحَادَثَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَعَلَّهُمْ عَنَوْا بِالْإِلْهَامِ أَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا ضَرُورِيَّةٌ مُخْتَرَعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً، وَقَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ: يَنْحَصِرُ فِي الْحِسِّ وَالِاسْتِدْلَالِ. قَالَ: وَالسَّمْعُ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ عُلُومِ الْحِسِّ؛ لِأَنَّ الْمَسْمُوعَ مَحْسُوسٌ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ صَوَابِهِ وَخَطَئِهِ تُدْرَكُ بِالِاسْتِدْلَالِ. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَوَائِلِ حَصْرُهَا فِي الْحِسِّ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَهُوَ غَلَطٌ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ بَلْ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْمَعْلُومَ مَا يَتَشَكَّلُ فِي الْحَوَاسِّ، وَمَا لَا يَتَشَكَّلُ، وَيُفْضِي إلَيْهِ نَظَرُ الْعَقْلِ، فَهُوَ مَعْقُولٌ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَالْمَعْقُولِ، فَتَوَهَّمَ مَنْ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: لَا مَعْلُومَ إلَّا الْمَحْسُوسُ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ شَيْءٌ إلَّا بِالْحِسِّ، وَتُوُهِّمَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ النَّظَرِيَّاتِ مَعْقُولَاتٌ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ شَيْءٌ إلَّا بِالنَّظَرِ