أَحَدُهَا: أَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا ضَرُورِيَّةٌ تَصَوُّرُهَا وَتَصْدِيقُهَا، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا بِإِنْكَارِ النَّظَرِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّ النَّظَرَ إذَا تَمَّ وَقَعَ الْعِلْمُ عَقِبَهُ ضَرُورَةً لَا مَقْدُورًا. الثَّانِي: كُلُّهَا كَسْبِيَّةٌ. الثَّالِثُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، بَعْضُهَا ضَرُورِيٌّ، وَبَعْضُهَا كَسْبِيٌّ. الرَّابِعُ: الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَبِالِاعْتِقَادَاتِ الصَّحِيحَةِ ضَرُورِيٌّ، وَغَيْرُهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كَسْبِيًّا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ مُثَابٌ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَفِعْلِهِ. الْخَامِسُ: التَّصَوُّرَاتُ ضَرُورِيَّةٌ، وَالتَّصْدِيقَاتُ مُنْقَسِمَةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ فِي الْمُحَصَّلِ "، وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُورِدَ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: إنَّ الْمَعْرِفَةَ ضَرُورِيَّةٌ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ الْعِلْمُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ.
وَاتَّفَقَتْ الْأَشَاعِرَةُ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ نَظَرِيًّا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ ضَرُورِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا خَلْقُ الْمَقْدُورِ بِدُونِ الْقُدْرَةِ، وَلَا امْتِنَاعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ عِنْدَنَا. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَهَذَا الْإِجْمَاعُ مِنْ طَرِيقِ الْإِمْكَانِ، وَأَمَّا طَرِيقُ الْوُجُودِ فَقَدْ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا الْيَوْمَ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا مُكْتَسَبَةٌ لَا تَقَعُ إلَّا عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَإِنَّمَا تَقَعُ فِي الْآخِرَةِ ضَرُورِيَّةً