وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ.
وَالثَّالِثُ: التَّوَقُّفُ لَا يُحْمَلُ عَلَى شَيْءٍ إلَّا بِدَلِيلٍ وَيَصِيرُ مُجْمَلًا. وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِفِيَّةِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ. اهـ.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي أُصُولِهِ " وَ " تَفْسِيرُهُ ": لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلْجَمِيعِ، بَلْ لِآحَادِ مُسَمَّيَاتٍ عَلَى الْبَدَلِ، وَادِّعَاءُ إشْعَارِهَا بِالْجَمِيعِ بَعِيدٌ.
قَالَ نَعَمْ، يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ جَمِيعَ الْمَحَامِلِ، وَلَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَذَا، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَا. اهـ.
وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ فَهُوَ مُجْمَلٌ، أَوْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَجَبَ بِهِ الْحَمْلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عَنْ الْحَنَابِلَةِ فِي " الْكِفَايَةِ ". هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ مُرَادَ اللَّافِظِ، فَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ بِوَاحِدٍ مِنْهَا نَظَرَ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَانِي مُنَافَاةٌ بَقِيَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا إلَى الْمُرَجَّحِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَانِيهِ مُتَسَاوِيَةً، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُحْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ وَحُكِيَ فِي " الْمَحْصُولِ " عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ يَتَعَارَضُ الدَّلِيلُ الْمَانِعُ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، وَالْقَرِينَةُ الْمُوجِبَةُ تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، فَيَعْتَبِرُ بَيْنَهُمَا التَّرْجِيحَاتِ، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُتَكَلِّمُ تَكَلَّمَ بِهِ مَرَّاتٍ، وَأَرَادَ بِكَمْ مَرَّةٍ مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ، وَالدَّلِيلُ الْمَانِعُ لَا يَنْفِي ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ " اللُّمَعِ ": إنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَحَدِهِمَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَجَبَ الْوَقْفُ حَتَّى يُعْلَمَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُرَادُ بِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ.