قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُجْمَلًا فَيُطْلَبُ الْبَيَانُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَكَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ وَالصَّرِيحِ، لَكِنْ هَاهُنَا الْحَقِيقَةُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ، وَالصَّرِيحُ أَوْلَى مِنْ الْكِنَايَةِ، قَالَ: وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْقُرْءِ فِي الْعِدَّةِ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ مِنْ طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ لَحَمَلْنَاهَا عَلَيْهِمَا لِوُقُوعِ اسْمِ الْقُرْءِ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَحَدُهُمَا تَوَقَّفَ فِي الدَّلِيلِ لِكَاشِفٍ عَنْ الْمُرَادِ.
وَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْإِجْمَاعِ عَنْ الْمَنْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْأُسْتَاذُ.
وَأَغْرَبَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ مَرَّاتٍ جَازَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ غَيْرَ مَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَكَلَّمَ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاطِنَ ثَلَاثَةٍ: اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَفِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَفِي مَجَازَيْهِ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَهُ مَقَامَانِ:
أَحَدُهُمَا: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْمُتَنَاوِلَاتِ؟ فِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا: الْجَوَازُ وَنُسِبَ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ "، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] فَالِاسْمُ وَاحِدٌ، وَاخْتَلَفَ الْمُرَادُ بِهِ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةً، وَمِنْ الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءً، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارًا، وَكَذَلِكَ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18] فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ عِلْمَهُ وَشَهَادَةُ الْمَلَائِكَةِ إقْرَارَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء: 43] يَعْنِي وَضْعَهَا لِلْجِنْسِ، وَمَوْضِعَهَا وَفِعْلَهَا