قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَقَدْ شَارَكَ الْعَجَمُ الْعَرَبَ فِي هَذَا، وَهُوَ يُشْبِهُ أَسْمَاءَ الْمُتَرَادِفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا اسْمَانِ وُضِعَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، وَيُشْبِهُ أَسْمَاءَ التَّوْكِيدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُفِيدُ تَقْوِيَةَ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ التَّابِعَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ، بَلْ شَرْطُ إفَادَتِهِ تَقَدُّمُ الْمَتْبُوعِ عَلَيْهِ، وَصَنَّفَ فِيهِ ابْنُ خَالَوَيْهِ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْإِتْبَاعَ وَالْأَلْبَابَ " وَأَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ أَيْضًا، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ.
قِيلَ: إنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ، لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَتْبُوعُ إلَّا بِتَبَعِيَّةِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا قُطِعَ عَنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا. بِخِلَافِ الْمُتَرَادِفِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَحْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: قُلْت لِأَبِي الْمَكَارِمِ: مَا قَوْلُكُمْ فِي جَامِعٍ تَابِعٍ؟ قَالَ: إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ نَتِدُ بِهِ كَلَامَنَا أَيْ: نُؤَكِّدُ بِهِ.
قَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: وَلَمْ يَسْمَعْ الْإِتْبَاعَ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: كَثِيرٌ بَتِيرٌ عَمِيرٌ بَرِيرٌ بَجِيرٌ بَدِيرٌ، وَقِيلَ: مُجِيرٌ بِالْمِيمِ، فَأَمَّا الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَكَثِيرٌ. قَالُوا: حَسَنٌ بَسَنٌ مَسَنٌ، وَجَارَ بَارَ حَارَ.
وَسَمَّى أَبُو الطَّيِّبِ كِتَابَهُ " بِالْإِتْبَاعِ وَالتَّوْكِيدِ " قَالَ: وَإِنَّمَا قَرَنَّا الْإِتْبَاعَ بِالتَّوْكِيدِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ إتْبَاعٍ تَوْكِيدًا، وَكُلُّ تَوْكِيدٍ إتْبَاعًا فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَأَجَازَ أَكْثَرُهُمْ الْفَرْقَ، فَجَعَلُوا الْإِتْبَاعَ مَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْوَاوُ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: عَطْشَانُ