إمَّا لِلْخَطَأِ فِي التَّرْتِيبِ، أَوْ أَنَّهُ قُصِدَ بِهِ شَيْءٌ فَأَفَادَ غَيْرَهُ، أَوْ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَسَّمَهُ الْآمِدِيُّ إلَى صَحِيحٍ: وَهُوَ مَا قَدْ وَقَفَ النَّاظِرُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ، وَنَاقَضَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرَى الظَّنَّ عِلْمًا بَلْ ضِدًّا لِلْعِلْمِ، وَهُوَ أَحَدُ طُرُقِ الْعِلْمِ خِلَافًا لِلسُّوفِسْطَائِيَّةِ النَّافِينَ لِلْحَقَائِقِ، وَالسُّمَنِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ، وَشَرْطُهُ: الْعَقْلُ، وَانْتِفَاءُ مَا فِيهِ كَالْغَفْلَةِ، وَهَلْ السَّهْوُ عَنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ وَالنِّسْيَانُ لَهُ ضِدٌّ لَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ غَيْرُ الْعِلْمِ ضِدًّا لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الظَّنَّ لَيْسَ عِلْمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ جَاهِلًا بِالْمَطْلُوبِ، وَلَا عَالِمًا بِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَلَا مِنْ وَجْهٍ تَطْلُبُهُ، لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ: إنَّهُ يُنَافِي الْعِلْمَ بِمَا يَنْظُرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ طَلَبٌ، وَطَلَبُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَيُنَافِي الْجَهْلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ يَعْتَقِدُ كَوْنَهُ عَالِمًا، وَهُوَ يَصْرِفُهُ عَنْ الطَّلَبِ. قِيلَ: لَكِنْ هَذَا فِي الْمُرَكَّبِ، وَهُوَ يُنَافِي الْبَسِيطَ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَأَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي شُبْهَةٍ. بِمَعْنَى أَنْ يَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْطَأَ الدَّلِيلَ لَمْ يَصِحَّ نَظَرُهُ وَلِهَذَا، أَخْطَأَ مَنْ أَخْطَأَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ فِي نَظَرِهِ لِإِصَابَةِ الدَّلِيلِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى شُبْهَةٍ أَدْرَكَ الدَّلِيلَ غَيْرُهُ، وَأَنْ يَسْتَوْفِيَ شُرُوطَ الدَّلِيلِ، وَتَرْتِيبُهُ عَلَى حَقِيقَةٍ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَتَأْخِيرِ مَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ وَأَنْ يَعْلَمَ الْوُجُوهَ الَّتِي تَدُلُّ مِنْهَا الْأَدِلَّةُ، وَلَا يَكْفِيهِ الْعِلْمُ بِذَاتِ الدَّلَالَةِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي مِنْهُ تَدُلُّ الدَّلَالَةُ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ عِلْمَ الِاكْتِسَابِ لَا عِلْمَ الضَّرُورَةِ