التَّنْبِيهُ الثَّانِي

زَعَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى " وَتَابَعَهُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ. وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ تُسَمَّى هَذِهِ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَرَافِيُّ: لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى، سَائِرِ أَحْكَامِهَا.

فَقَالُوا: الْمُصَلِّي مُوَافِقٌ لِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُثَابٌ عَلَى صَلَاتِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا عَلِمَ الْحَدَثَ، فَلَمْ يَبْقَ النِّزَاعُ إلَّا فِي التَّسْمِيَةِ.

قُلْت: وَنَفْيُ الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ، فَالْخِلَافُ ثَابِتٌ، وَمِمَّنْ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ " فِي مَسْأَلَةِ: الْإِجْزَاءُ الِامْتِثَالُ، وَكَأَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ يَقُولُونَ: إنَّهَا صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهُ وَافَقَ الْأَمْرَ الْمُتَوَجِّهَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلْقَضَاءِ لَوْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِالْقَضَاءِ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمُسْتَصْفَى " عَنْهُمْ، وَوَصْفُهُمْ إيَّاهَا بِالصِّحَّةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الصِّحَّةَ هِيَ الْغَايَةُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَعِنْدَنَا قَوْلٌ مِثْلُهُ فِيمَا إذَا صَلَّى بِنَجَسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ سَاهِيًا إنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَا قَضَاءَ نَظَرًا لِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ حَالَ التَّلَبُّسِ.

وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ

، وَفَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَإِنَّهَا عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ صَحِيحَةٌ لِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُوَافَقَةً لِأَمْرِ الشَّارِعِ.

وَذَكَرَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ " أَنَّ مَا يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا إذَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَقُلْنَا بِالرَّاجِحِ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ قَالَ: فَتِلْكَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015