قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِ بَعْضِهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَفَّالِ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ دَاوُد سَأَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الْقِيَاسِ أَهُوَ أَصْلٌ أَمْ الْفَرْعُ فَأَجَابَهُ الْمُزَنِيّ: إنْ قُلْت الْقِيَاسُ أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ، أَوْ أَصْلٌ وَفَرْعٌ، أَوْ لَا أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ أَنَّهُ أَصْلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ فَرْعٌ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ وَفَرْعٌ بِاعْتِبَارَيْنِ لَمَّا عَرَفْت أَنَّهُ فَرْعٌ لِغَيْرِهِ الَّذِي عُرِفَ مِنْهُ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ " لَا أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ " أَنَّهُ فِعْلُ الْقَائِسِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: سَأَلَ دَاوُد الْقَائِسِينَ سُؤَالًا دَلَّ عَلَى جَهْلِهِ بِمَعْنَى الْقِيَاسِ فَقَالَ: خَبِّرُونِي عَنْ الْقِيَاسِ أَصْلٌ هُوَ أَمْ فَرْعٌ؟ فَإِنْ كَانَ أَصْلًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَ فَرْعًا فَفَرْعٌ عَلَى أَيِّ أَصْلٍ. قَالَ الرَّازِيَّ: وَالْقِيَاسُ إنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْقَائِسِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِفِعْلِ الْقَائِسِ: إنَّهُ أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ. وَإِنَّمَا وَجْهُ تَصْحِيحِ السُّؤَالِ أَنْ يَقُولَ: خَبِّرُونِي عَنْ وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ، أَوْ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْقِيَاسِ أَهُوَ أَصْلٌ أَمْ فَرْعٌ؟ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ بِمَا بُنِيَ عَلَيْهِ، وَفَرْعٌ عَلَى مَا بُنِيَ عَلَيْهِ، فَأَصْلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَفَرْعُهُ سَائِرُ الْحَوَادِثِ الْقِيَاسِيَّةِ الَّتِي لَا تَوْقِيفَ فِيهَا وَلَا إجْمَاعَ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: فِي كِتَابِ " إثْبَاتِ الْقِيَاسِ " قَالَ بَعْضُهُمْ: خَبِّرُونَا عَنْ الْقِيَاسِ فَرْضٌ هُوَ أَوْ نَدْبٌ، فَإِنْ قُلْتُمْ نَدْبٌ فَقَدْ أَوْجَبْتُمْ التَّشْرِيعَ فِي الدِّينِ، وَإِنْ قُلْتُمْ فَرْضٌ فَمَا وَجَدْنَا ذَلِكَ. قُلْنَا: بَلْ فَرْضٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ وَبِالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ وَبِقَبُولِ الْجِزْيَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيهِ قَالَ: وَحَقِيقَةُ الْقِيَاسِ فِعْلُ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ بِهِ فِي وَقْتٍ كَمَا أَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ فِي وَقْتٍ، فَلَا يُسَمَّى الْقِيَاسُ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا لِذَلِكَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015