قَالَ: إنَّ مَسْحَ الْخُفِّ نَسْخٌ بِالْكِتَابِ. وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي " اللُّمَعِ "، وَسُلَيْمٌ، وَصَرَّحَ ابْنُ بَرْهَانٍ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الْأَوْسَطِ ": إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ هَذَا مَنْسُوخٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ مَذَاهِبَ النَّاسِ فِي النَّسْخِ مُخْتَلِفَةٌ، فَرُبَّ شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ نَاسِخًا، وَلَيْسَ بِنَاسِخِ، وَلِأَنَّ النَّسْخَ إسْقَاطٌ لِلْحَدِيثِ بِالْكُلِّيَّةِ.

وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَإِلْكِيَا فِي " التَّلْوِيحِ " وَعَلَّلَهُ بِمَا سَبَقَ، ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: إنْ كَذَا كَانَ حُكْمًا ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّهُ نُسِخَ الْآنَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بِهِ نُسِخَ، فَإِنَّ الْكَرْخِيّ كَانَ يُتَابِعُهُ، كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ ذُكِرَ لَهُ فِي التَّشَهُّدِ: التَّحِيَّاتُ الزَّاكِيَاتُ. قَالَ: كَانَ هَذَا ثُمَّ نُسِخَ. وَنَحْوُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّضَاعِ أَنَّهُمَا قَالَا: قَدْ كَانَ التَّوْقِيتُ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا.

قَالَ: وَاَلَّذِي رَآهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيمَا صَرَّحَ بِهِ بِأَنَّهُ نَاسِخًا لِلْأَيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ نَاسِخًا لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ اعْتَقَدَهُ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ إطْلَاقًا، وَلَا يَذْكُرُ مَا لِأَجْلِهِ النَّسْخُ، وَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ مِمَّا لَا يُنْسَخُ بِهِ. قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَمْرٍ لَا يَلْتَبِسُ، وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ. قَالَ: وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّاوِي مَضْمُونَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ انْتَهَى. وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ. وَفَصَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَصٌّ آخَرُ يُخَالِفُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015