بِالْمُتَأَخِّرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ [الرَّاوِي] لِلْحَدِيثَيْنِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْمَعُهُمَا الِاثْنَانِ فِي وَقْتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ، وَشَرَطَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ كَوْنَ الرَّاوِي لَهُمَا وَاحِدًا، قَالَ: فَإِنْ كَانَ رَاوِي الْمُتَقَدِّمِ غَيْرَ رَاوِي الْمُتَأَخِّرِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ خَبَرَ وَاحِدٍ كَانَ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرِ، لَمْ يَصِرْ مَنْسُوخًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ كَانَا مُتَوَاتِرَيْنِ أَوْ آحَادًا، فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ.
هَذَا كُلُّهُ إنْ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا مُتَأَخِّرٌ، فَإِنْ قَالَ: هَذَا نَاسِخٌ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرَ دَلِيلَهُ فَوَاضِحٌ. قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ ذَكَرَ دَلِيلَهُ، لَكِنْ يُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ اقْتَضَى النَّسْخَ عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ أَرْسَلَهُ إرْسَالًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النَّسْخِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ. قُلْت: وَاَلَّذِي فِي " الْمُعْتَمَدِ " أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَهُ، فَقَالَ: هَذَا نَسْخٌ لِهَذَا، لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ بَلْ قَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ قَبْلُ.
وَحَكَى الدَّبُوسِيُّ فِي " التَّقْوِيمِ " هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النَّسْخِ مَا لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا لَيْسَ بِنَسْخٍ نَسْخًا، وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي أَسْبَابِ النَّسْخِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ، وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ، وَكَاعْتِقَادِ آخَرِينَ أَنَّ قَوْلَهُ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ» مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ مَنْ